سياسة انفتاح الاقتصاد التركي وتحريره من القيود وتحويل معظم مشاريع الدولة إلى القطاع الخاص، لتبدأ تركيا في عهده طوراً جديداً، نقلها لنسبة نموّ تعدت 9% عام 1990، بعدما كانت نسبة النموّ الاقتصادي تتأرجح على عتبة 3% مطلع الثمانينيات، ورفعت سياسة الانفتاح على أوروبا والمنطقة العربية والولايات المتحدة، حجم الصادرات التركية، من أقل من 6 مليارات دولار عام 1983 إلى نحو 12 ملياراً عام 1990، وكذا، إثر الانفتاح، ازدادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من نحو 113 مليون دولار عام 1984، إلى نحو 700 مليون عام 1990.
ويقرّ حزب العدالة والتنمية بأنه انطلق اقتصادياً مما أسسه أوزال، بل تابع إنجازاته على ما بناه، رغم الفجوة خلال حكم الرئيسين، سليمان داميرال وأحمد نجدت سيزار، قبل أن يتولى حزب العدالة والتنمية رئاسة الحكومة نهاية 2002 ويتولى عبد الله مرشح الحزب، رئاسة الدولة عام 2007.
وحافظت تركيا منذ 16 سنة على نمط اقتصاد السوق، تاركة المنافسة وحدها التي تحدد الأفضل والسعر الأرخص، بل تطرد الضعيف غير القادر على التنافس من السوق، لتصل تركيا بهذا النهج لمجموعة العشرين فتزيد نسبة النموّ عن 5% وتقترب صادراتها من 170 مليار دولار، بل تسير بخطى وئيدة، لحلمها دخول نادي العشرة الكبار خلال ذكرى مئوية تأسيس الجمهورية عام 2023.
ولكن هل من قدسية لنمط اقتصادي، إن أثّر على حياة الشعب وغيّر من ملامح قوة الدولة وهزّ من العدالة الاجتماعية؟!
بمعنى بسيط، اختلّت معيشة الأتراك منذ هوى سعر صرف عملتهم العام الفائت، من جراء العقوبات الأميركية وما تصفه أنقرة بالاستهداف، فتراجع سعر صرف الليرة، ولم يزل، إلى أكثر من 5.3 ليرات للدولار الواحد، بعد سلسلة تراجعات منذ عام 2012، وقت لم يزد صرف الدولار على 1.75 ليرة، بما في ذلك المحطة المهمة ليلة الانقلاب، 15 يوليو/ تموز 2016، حين صعد الدولار إلى أكثر من 3 ليرات، مرتفعاً بنسبة 4.78%.
فما الذي يمكن لدولة "ليبرالية" أن تفعله، دون الخلل بالنهج الاقتصادي وخلق هزة ثقة لدى المستثمرين، وبالوقت ذاته، تقف إلى جانب مواطنيها بواقع غلاء الأسعار إلى الضعف خلال عام، وبمقدمتها الموادّ والسلع الأساسية اليومية؟
من بدهيات الاقتصاد ربما، أن زيادة الرواتب والأجور ستؤدي لزيادة معروض العملة المحلية بالسوق، وتؤدي خاصة بواقع كما التركي، إلى مزيد من التضخم النقدي، فتكون زيادة الرواتب خطراً وتفقيراً، أكثر منه نجدة وتحسيناً لمعيشة الأتراك.
لذا، رأينا الزيادة مطلع العام الجاري، حذرة ولا توازي ارتفاع الأسعار، فكانت بنسبة 26% ليصل الحد الأدنى لإجمالي الدخل، قبل حسم أقساط الضمان الاجتماعي وضرائب الدخل إلى 2558 ليرة، وهو بطبيعة الحال، دون المصاريف التي تعاظمت من جراء ارتفاع الأسعار، وخاصة على الخضر والفواكه والسلع الأساسية.
فرأينا أخيراً، دخول الحكومة التركية إلى السوق دون أن تؤذي بالنهج الاقتصادي، لتقوم بدور المنافس، وربما كابح للجشع وغلاء الأسعار.
وأتى تدخل الحكومة الذي يمكن وصفه بالمتأخر، خلال الأيام الأخيرة على مرحلتين؛ الأولى، تنظيم بيع الخضر والفواكه وبعض السلع الرئيسية، عبر مراكز حكومية في الميادين الرئيسية بالمدن الكبرى، لضبط الأسعار بما يتناسب ودخول الأتراك، وأما الثانية التي من المتوقع أن تبدأ "الإثنين مطلع الأسبوع" فهي إطلاق خدمة بيع الخضار والفواكه عن طريق الإنترنت، تحت شعار "تنظيم البيع" لمحاربة التلاعب بالأسعار.
وهذه الخدمة، ستكون بالتعاون بين وزارة الزراعة والغابات ووزارة النقل، عن طريق موقع التسوق الإلكتروني للمديرية العامة للبريد التركية PTT، بحيث تؤمن توصيل المشتريات عن طريق شركة الشحن PTT، إلى البيوت.
نهاية القول: ما دام الإنسان هو حامل التنمية، ومعدته ومعيشته المؤشر الأصدق لها، قد لا يكون من خطوط حمر إلاه. فلا ضير وخاصة اقتصادياً، من التدخل ومنافسة القطاع الخاص، وعبر طرائق وأقنية لا تخلّ بالنمط الاقتصادي، للمحافظة على مستوى معيشته، حتى لو اضطرت الدولة لأن تبيع الخضار.
المصدر : وكالات