في ظل أزمة التضخم الاقتصادي التي تضرب العالم، انطلقت بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر بعد تقارير لم يتم حسمها بإنفاق قطر حوالي 220 مليار دولار على البنية التحتية والمنشآت الخاصة بكأس العالم.
لكن السؤال الحتمي الآن: هل تأثرت الجماهير الحاضرة للمونديال بالتضخم الاقتصادي؟
في البداية يجب التأكيد على أن مشجعي كرة القدم الذين يذهبون للمونديال يبحثون عن أقل تكلفة ممكنة خلال رحلتهم إلى أي بلد مضيف، لذا تعج الهوستيل – وهي فنادق مشتركة ذات جودة منخفضة- بالجماهير في مثل هذه البطولات بسبب أسعارها القليلة مقارنة بالفنادق ذات النجوم المختلفة.
الناقد الرياضي سعيد عبد السلام نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية صرح لاقتصاد سكاي نيوز عربية أن "أثر التضخم الاقتصادي على مونديال 2022 واضح جداً ويتجلى ذلك في ارتفاع أسعار تذاكر الطيران في العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية ما أدى إلى عدم حضور عدد كبير من جماهير الكرة أصحاب الدخل البسيط إلى هذا المونديال".
الصحفي المصري، صاحب تجربة كبيرة في الخليج استمرت لأكثر من 25 سنة، ألمح إلى الأثر السلبي لبُعد المسافات بين الشرق الأوسط وقارتي أميركا الجنوبية والشمالية خصوصاً الأولى، وبالتالي فإن أسعار التذاكر مرتفعة للغاية وهو ما عرقل مجيء الآلاف من هذه الجماهير باستثناء الميسورين منهم.
الكاتب الرياضي سعيد عبد السلام ختم تصريحاته بالقول: "لابد من الإشارة إلى أن إقامة المونديال في فصل الشتاء في ظل استمرار العملية التعليمية في أوروبا وغيرها وبالتالي فالحضور الجماهيري لهذه الفئة سيكون صعباً للغاية عكس ما يحدث في الصيف حيث تكتظ الجماهير من كافة الأعمار في هذه البطولات وما ينتج عنها من إنفاق أموال في البلد صاحب الضيافة، كل هذه العوامل السابقة – على حد قول الصحفي المصري- هي نتيجة أساسية لعملية التضخم الاقتصادي في العالم.
وكان تقرير صادر عن صحيفة "لاريبابليكا الكوستاريكية" ذكر أن ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات أدى إلى اجبار مئات من الجماهير في البلاد لإلغاء خطط سفرهم لقطر، ووصل معدل التضخم في كوستاريكا إلى 10 بالمئة والأجور لا تواكب هذا التضخم، ورأت الصحيفة أن قطع مسافة 8 آلاف ميل من كوستاريكا لقطر ستكلف المسافرين مبلغاً مالياً كبيراً لا يتحمله الكثيرون حالياً في البلاد بجانب تكلفة الإقامة والمعيشة اليومية في قطر.
موقع " ذا أتلتيك" الأميركي الرياضي التقى بعض الجماهير الفرنسية التي أعربت عن أسفها لعدم السفر بسبب عدم وجود ما يكفي من المال للسفر، أحدهم ذكر أن مجموعته من الأصدقاء في رحلة السفر إلى روسيا بلغت 650 مشجعاً وهذا العام لا يكاد عددهم يصل إلى 100 شخص بسبب الأزمة المالية.
ونقل الموقع الأميركي عن مشجعة فرنسية تدعى أوبريتري قولها: قررنا تأجيل سفرنا إلى حين التأكد من وصول منتخب فرنسا إلى نصف النهائي، فلا يمكنني البقاء لمدة شهر كامل في مكان واحد عكس الحال في روسيا كنا نتنقل من مدينة إلى أخرى، لأننا إذا ذهبنا إلى قطر في بداية البطولة فسوف ننفق 12 بالمئة أكثر مما دفعنها في روسيا".
أما تيم هارتلي مشجع من ويلز فصرح للموقع الأميركي: "قررت السفر مع ابني فقط لمدينة رأس الخيمة في الإمارات حيث وجدت أسعاراً فندقية منخفضة ويمكننا التنزه في بقية دولة الإمارات وخصوصا دبي وأبوظبي، وسنسافر إلى الدوحة في أيام مباريات ويلز ونعود في نفس اليوم لرأس الخيمة".
الأمل في الجماهير الخليجية
في مقابل ما سبق، تنعقد الآمال على الجماهير العربية وتحديداً الخليجية في سد هذه الفجوة، حيث يتوقع أن تكون النسبة الأكبر للجماهير السعودية، والتي ستزيد أعدادها بكل تأكيد في حال حقق المنتخب السعودي نتيجة إيجابية أمام الأرجنتين.في الإمارات فإن انتشار مناطق للجماهير في البلاد ووجود احتفالات مصاحبة ربما تحد من سفر نسبة كبيرة من الجماهير الإماراتية إلى قطر.
وتجني دولة الإمارات أرباحاً كبيرة بسبب تفضيل جماهير عديدة الإقامة فيها والسفر يوم المباراة لحضور مباريات منتخبهم ثم العودة مجدداً للإمارات بعد الزيادة الكبيرة في رحلات اليوم الواحد خلال فترة المونديال.
وفي تصريح لاقتصاد نيوز عربية، أكد الكاتب السعودي سامي العثمان رئيس تحرير صحيفة العروبة السعودية أن "قطر عملت على خفض التضخم حتى قبل بداية كأس العالم من خلال الرقابة الشديدة على الأسعار".
وأضاف العثمان، وهو مؤسس قناة "تحت الشمس"، أن البنك المركزي القطري استحدث إصدارات فصلية من السندات الفصلية المقومة بالريال القطري وذلك لإدارة السيولة الفائضة في القطاع المصرفي، فضلاً عن أن كأس العالم المقام حالياً في قطر ساعد وبشكل كبير في خفض التضخم سواء كان ذلك من خلال انفاق مشجعي دول الخليج ومن دول العالم".
توقعات بنمو اقتصادي خليجي
وكالة "فيتش سولييوشن" توقعت أن تخرج قطر من البطولة بنمو اقتصادي يصل إلى 5.2 بالمئة في حال استقبلت أكثر من 2 مليون سائح في فترة كأس العالم، حيث ستمثل نسبة الأجانب ما يقرب من 40 بالمئة من الشعب القطري، مقابل 2.5 بالمئة في مونديال روسيا 2018 و0.7 بالمئة في مونديال البرازيل 2014.
الانعكاسات الإيجابية في النمو الاقتصادي لا تقتصر على قطر فقط، بل ستمتد بحسب وكالة فيتش إلى الدول المجاورة خاصة الإمارات التي تستوعب العدد الكبر من الجماهير فضلاً عن الإنفاق اليوم لهذه الجماهير في الفنادق وأماكن المتنزهات والطيران الإماراتي من وإلى الدوحة.
الوكالة نفسها، رأت أن الطلبات الخاصة بالجماهير ستساعد على تفاقم الضغوط التضخمية الموجودة ما سيؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في قطر بنهاية هذا العام إلى 4.7 بالمئة وقد تزداد في مطلع العام الجديد 2023.
وتوقعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" أن تحقق الدول الخليجية إيرادات كبيرة بعد نهاية كأس العالم.
هبوط مثير للتساؤلات لبورصة قطر
تأتي توقعات الوكالتين عكس تحركات بورصة قطر إذ تراجعت في مستهل تعاملاتها وانخفض المؤشر العام بنسبة 0.97 بالمئة ليصل إلى 11993 نقطة، كما تراجعت البورصة ذاتها في نهاية اليوم الافتتاحي للمونديال بهبوط المؤشر العام بنسبة 0.48 بالمئة ليسجل مستوى 12110.9 نقطة.. وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق النمو الاقتصادي خلال المونديال كما توقعت الوكالتين.
يذكر أن مؤشر MSCI البرازيلي كان قد شهد انخفاضا بنسبة 34 بالمئة في عام 2015 بسبب التضخم الاقتصادي الذي حل بالبلاد آنذاك.