حرب التكنولوجيا تستعر.. ما هو مشروع قانون DATA الأميركي؟
2023-03-07 18:40:23
انتقل الصراع التكنولوجي بين أميركا والصين إلى مرحلة، توحي بأن علاقات العمل الدولية لا تسير كما يرام، حيث تحاول الولايات المتحدة فرض قواعد جديدة للعبة في مشهد رقمي سريع التطور، وآخر محاولاتها في هذا الإطار، كان مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا" أو DATA.
وما يخيف الشركات التقنية غير الأميركية هو أن بعض الأطراف في الولايات المتحدة، باتت لا تتردد في إعطاء صفة "الخصم التكنولوجي" لأي شركة غير مرضي عنها، فرغم أن مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا"، يستهدف بشكل محدد تطبيق تيك توك وكل ما يرتبط بشركة بايت دانس الصينية التي تملكه، إلا أنه يساهم في تقييد عملية التدفّق الحر للترفيه المرئي بين الدول، وهو أمر لطالما كانت أميركا رائدة فيه.
ما هو مشروع قانون ردع الخصوم التكنولوجيين؟
مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا" أو DATA، الذي أقرته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، من شأنه أن يسهل حظر تطبيق تيك توك أو أي تطبيق مملوك لجهة أجنبية، وذلك عبر منح الرئيس الأميركي صلاحيات القيام بهذا الأمر دون الحاجة إلى انتظار مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
ويعدّل تشريع "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا"، قانونا أقر في ثمانينيات القرن الماضي، يمنع الحكومة الأميركية من تقييد التدفّق الحر للترفيه المرئي بين الدول الأجنبية. كما يطالب التشريع الجديد بفرض عقوبات وصولاً إلى حظر الشركات التي تعطي بيانات مثل بيانات مستخدمي تيك توك عن قصد، إلى أي شخص أجنبي له صلات بالحزب الشيوعي الصيني.
ويحتاج مشروع القانون الآن إلى نيل موافقة مجلسي النواب والشيوخ، كما سيتعيّن على الرئيس بايدن التوقيع عليه حتى يصبح قانوناً سارياً.
أداة مراقبة مجنونة بجمع البيانات
وتكمن المشكلة الأساسية لتطبيق تيك توك في أميركا في "جمع البيانات"، حيث يرى بعض السياسيين أن التطبيق ورغم محتواه الترفيهي، هو عبارة عن أداة مهووسة بجمع البيانات المتعلقة بتوجهات المستخدمين وأعمارهم واهتماماتهم وأرقام هواتفهم وعناوين البريد الإلكتروني الخاص بهم، وأنواع أجهزتهم والمواضيع التي يتفاعلون معها، وغيرها الكثير من البيانات التي تبدو بسيطة بالنسبة للبعض، إلا أنها تشكل مجتمعة ثروة هائلة من المعلومات، التي في حال وصلت إلى أيدي الحكومة الصينية، قد توظفها لخدمة طموحاتها الجيوسياسية.
ما هي أهمية البيانات؟
عملية جمع البيانات التي يقوم بها تيك توك ليست ظاهرة جديدة، وهي عملية تقوم بها مواقع مثل غوغل وفيسبوك ولينكد إن وغيرها، حيث تعتبر البيانات في عصرنا الحالي بمثابة "مادة خام"، تستخلص منها الشركات النتائج وتبني على أساسها قراراتها المستقبلية.
كما أن للبيانات دوراً كبيراً في تحقيق الإيرادات، وذلك عبر بيع الإعلانات الموجهة، فإذا فُقدت هذه البيانات يصبح أي موقع للتواصل الاجتماعي بمثابة سيارة دون وقود.
أين تحتفظ تيك توك ببيانات الأميركيين؟
وتكمن المفارقة في أن هذه الهجمة على تطبيق تيك توك، تأتي رغم إعلان الشركة الصينية بايت دانس المالكة للتطبيق في منتصف عام 2022، عن إتمام عملية نقل بيانات مستخدميها على الأراضي الأميركية إلى خوادم Oracle الموجودة في أميركا، وذلك كجزء من اتفاقية تضمن عدم وصول الشركة الأم الصينية إلى بيانات المستخدمين على الأراضي الأميركية.
عودة دعوات حظر تيك توك
وكانت بايت دانس تأمل في أن تساعدها هذه الخطوة في التخفيف من الضغوط التي يتعرض لها تطبيقها، إلا أن هذا الأمر لم يحصل، حيث عادت دعوات حظر تيك توك إلى الواجهة من جديد، مع ظهور معلومات تشير إلى أن التطبيق ربما لا يزال يشارك بيانات مستخدميه في أميركا مع الشركة الأم في الصين، وهذا ما نفته بايت دانس مراراً.
الخصوم التكنولوجيون لأميركا
ويقول المحلل في شؤون التقنية هشام الناطور في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أميركا ترى منذ زمن، أن لديها أربعة خصوم تكنولوجيين شديدي الخطورة هم الصين، وروسيا، وكوريا الشمالية وإيران، وهي مستعدة لفعل أي شيء لمحاولة شل قدراتهم، ومنعهم من التسبب في أضرار لها، مشيراً إلى أن مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين" يأتي في هذا الإطار، إذ ترى أميركا أن تيك توك بات أداة قادرة على جمع قدر هائل من المعلومات التي تتيح التأثير على جيل المستقبل.
سمسار للبيانات
وبحسب الناطور فإن هناك فئة في أميركا، ترى أن تطبيق تيك توك يركز بالكامل على مفهوم جمع البيانات الشخصية من خلال المحتوى المرئي، وبالتالي فإن هذه الفئة لديها خوف من أن يكون التطبيق مجرد "سمسار بيانات"، لصالح الاستخبارات الصينية ، مشيراً إلى أن دور الشركات التي تمتهن "سمسرة البيانات"، هو جمع معلومات شخصية عن المستخدمين، لبناء صورة مفصلة عن هويتهم ومن ثم بيعها، وهي تجارة مبهمة لا يدرك معظم الناس وجودها.
سابقة في تقييد التدفق الحرّ
واستبعد الناطور أن يتم إقرار مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا" بصيغته الحالية، وذلك لكونه سيشكل سابقة في تقييد التدفّق الحر للترفيه المرئي في أميركا، وهذا ما لا يمكن أن يسمح به الكثير من الجمعيات الأميركية، التي تعتبر هذا الأمر بمثابة خط أحمر، يفتح الباب أمام اجتهادات لا طائل منها، فرغم أن مشروع القانون موجه ضد تيك توك وشركة بايت دانس، إلا أنه يمكن تطبيق مفاعيله على مختلف التطبيقات الأجنبية الأخرى، وهو أمر مشابه تماماً لما تفعله الصين على أراضيها، من تقييد لمحتوى التطبيقات، وبالتالي لا يمكن لأميركا التي تنتقد تصرفات الصين أن تقوم بفعل الأمر نفسه.
الرسالة واضحة
من جهتها تقول أخصائية التطبيقات الهاتفية والتسويق الرقمي دادي جعجع في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الرسالة واضحة من مشروع قانون "ردع الخصوم التكنولوجيين لأميركا" أو DATA، فحتى لو لم يتم إقراره، فإن الأحداث في البلاد تشير بوضوح إلى أن أميركا لن تسمح لأي شركة أو تطبيق تابع لأعدائها التكنولوجيين، بأن يحقق النجاح على أراضيها وأراضي حلفائها، وهذا الأمر حصل في السابق ولكن بشكل مختلف مع شركة هواوي الصينية.
مسموح لأميركا وممنوع لغيرها
وتشرح جعجع أنه رغم عدم امتلاك أميركا أي دليل يثبت أن تيك توك يقوم فعلاً بتزويد السلطات الصينية بمعلومات عن مستخدميه في أميركا، إلا السياسيين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي يستمرون في مهاجمته، ويقومون بتضييق الخناق عليه، عبر سن قوانين ستجعله غير قادر على الصمود في مرحلة ما، مشيرة إلى أن مواقع مثل غوغل وفيسبوك وإنستغرام، تعمل أيضاً على جمع معلومات متعلقة بالمستخدمين وهو أمر مثبت، حيث يبدو أن ما هو مسموح به للمواقع التابعة لشركات أميركية أو من يدور في فلكها، غير مسموح به للمواقع التابعة لجهات الصينية.
سيناريو ترامب
وتضيف جعجع أنه على العالم التأقلم مع النهج الذي تنتهجه أميركا تجاه من تعتبره عدواً تكنولوجياً لها، وهو أمر باتت تدركه معظم شركات العالم، وتبني خطتها المستقبلية عليه، متوقعة أن يشتد الخناق على تيك توك في أميركا، لدرجة تدفعه إلى بيع أعماله هناك، إلى شركة أميركية منفصلة تماماً عن شركة بايت دانس الصينية، وهو أمر كان سيحصل في السابق لو فاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية جديدة.