سلوك تركيا.. كيف يشكل خطرا على الأمن القومي الأوروبي؟

  • 2020-10-04 15:01:43
طوال الأسبوعين الماضيين، انشغلت المؤسسات والقوى السياسية الأوروبية بتهديدين وشيكين على حدودها الشرقية والجنوبية. ففي دولة بلاروسيا اندلعت انتفاضة شعبية مناهضة للديكتاتور ألكسندر لوكاشينكو، الموالي لروسيا، مما أعاد للأذهان الأوربية إمكانية تكرار السيناريو الأوكراني، بحيث تتدخل روسيا عسكرياً في بلد على حدود أوروبا، وتفرض واقعا سياسيا وعسكريا عليها. إلى جانب ذلك، كانت تركيا تتحرش اقتصاديا وعسكريا بدولتين ضمن المنظومة الأوروبية، قبرص واليونان، وتحاول أن تفرض سطوها العسكرية والاقتصادية عليهما، عبر استخدام التهويل والتهديد العسكري. غالبية واضحة من المتابعين والمؤسسات البحثية الأوروبية، كانت ترى بأن السلوك التركي أكثر إثارة ومسا بالأمن القومي الأوروبي، لأنه على عكس ما يجري في دولة حيوية ومرشحة لعضوية الأسرة الأوربية مثل بيلاروسيا، لا تمارس فعلا داخليا يمس القيم الأوروبية العليا فحسب، بل تتجاوز ذلك لتصبح أداة زعزعة للاستقرار الأمني والجغرافية على حدودها، ودون أي مبرر ذو قيمة. الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل كان قد أعلن عقب اجتماعات مطولة للمجلس الأوروبي بأن: "التوترات في شرق المتوسط ​​بين اليونان وتركيا وقبرص تتزايد، وإن الأمر يضاعف خطر اندلاع مواجهة تتجاوز مجرد حرب كلامية"، مذكراً بما قاله وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي: "ثمة عواقب محتملة ووخيمة في غياب التقدم في التعامل مع تركيا". بهذا التهديد "الأمني/العسكري"، تكون تركيا قد أكملت قوس أشكال مسها بالأمن القومي الأوروبي، التي يمكن رصدها بثلاثة مستويات، إلى جانب هذا الحيز العسكري. فتركيا تتحول بالتقادم إلى نظام شمولي إيديولوجي، يُعلي من خطاب الكراهية وصراعات الهوية، وهو ما يهدد الاستقرار الاجتماعي في داخل أوروبا، التي بها جاليات كبرى من الأتراك، وتؤثر الأجهزة الأمنية التركية على العديد من شبكات الجماعات الدينية بداخله. فمؤشر مؤسسة فريدوم هاوس اعتبر أن تركيا دولة "غير حرة تماماً"، كذلك أعلن مؤشر سيادة القانون لمشروع العدالة العالمية بأن تركيا تحتل المرتبة 107 عالمياً من أصل 128 دولة، بما يخص مسائل سيادة القانون وانتهاك حقوق الإنسان. كما أن منظمة مراسلون بلا حدود صنفت تركيا في المرتبة 154 عالمياً من حيق الحريات الإعلامية. كل ذلك تعده المنظومة الأوروبية مساً باستقرارها الداخلي الدائم. كذلك فإن تركيا صارت بالنسبة للاتحاد الأوروبي عامل زعزعة للاستقرار في الدول التي تعاني من صراعات داخلية أو إقليمية، من أذربيجان وأرمينية وحتى ليبيا، مروراً بسوريا والعراق، وهو ما يهدد بتحطيم أشكال الاستقرار السياسي والاجتماعي في تلك البلدان، وخلق موجات من الهجرة نحو البلدان الأوروبية. يضاف إلى ذلك كله، التحالف الاستراتيجي المتقادم بين تركيا وروسيا، بحيث يسعى الطرفان في مختلف الملفات إلى خلق نوع من التوازن والتحاصص فيما بينهما، وعدم مراعاة أية حساسية أوروبية، على "أقاليم القلق" الثلاث بالنسبة للوحدة الأوربية، الشرق الأوسط والبلقان وشمال أفريقيا. ولأسباب تتعلق بالتداخل الثقافي والجغرافي والإيديولوجي، تعرف المنظومة الأوربية بأن روسيا ليس لها أن تتمدد في تلك الجغرافيات كما يحصل مؤخرا، دون دعم وتعاون واضح مع تركيا، التي تفعل ذلك دون أية التفاتة للمصالح والحساسيات الأوربية من روسيا. مركز "RUSI" للأبحاث نشر دراسة مطولة لـ"صامويل فيستربي" أشار فيها إلى الأسباب الموضوعية التي تدفع تركيا لأن تكون خطراً على الأمن القومي الأوروبي، ودون أية حسابات في ذلك الاتجاه. فيستربي اعتبر أن فقدان تركيا لأية آمال بعضوية الاتحاد الأوروبي هي أهم تلك العوامل، قائلا: "عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي مختلة وتولد عدم ثقة من كلا الجانبين، فلا تلتزم تركيا بمعايير كوبنهاغن (مثل الديمقراطية)، ربما بسبب عدم وجود حافز للإصلاح، ووجود فرنسا كعقبة أبدية أمام محاولة أنقرة الانضمام، ومع حقيقة أن العديد من الناخبين الأوروبيين قد تحركوا أكثر نحو اليمين، فإن هذا ببساطة يجعل الانضمام غير عملي، وبالتالي فقدت تركيا أية روابط والتزامات كانت تجاه الوحدة الأوربية وأمنها القومي". الباحث كان قد أشار في بحثه إلى خطورة النفوذ التركي في المدن الأوربية الكبرى، حيث تستطيع تركيا أن تمس مشاعر 10-20 بالمئة من سكان مدنٍ مثل باريس وبروكسل ولاهاي، بالذات عبر الترويج لمفهوم "الإسلام الأوروبي" وضرورة التعاضد الداخلي فيما بين المجتمعات الإسلامية الأوروبية وولائها لتركيا. القسم الأوروبي في مركز كارنجي الأميركي، كان قد نشر مقالة مطولة لـ"سنان أولغن"، شرح فيها أسباب هذا الجنوح التركي للإطاحة بالأمن القومي الأوروبي قال فيها: "إن سياسة تركيا الخارجية مشبعة بالحنين إلى جذورها العثمانية، تحمل على نحو متزايد طابع حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، والذي صاغ خطابات لتعزيز سردية تركيا المستقلة الرائدة في المنطقة ... تعمل السياسة الخارجية التركية أيضًا على تعزيز الصعود القومي، حيث دفعت هذه الرؤية السياسية مبادرات مثل المحاولات الفاشلة لتغيير النظام في سوريا، ومؤخراً نشر القوات التركية في ليبيا لدعم حكومة الوفاق، وتوسع تركيا في المنطقة الإقليمية، مع وجودها العسكري المتقدم في قبرص وليبيا وقطر والصومال". موقع "Nordicmonitor" الذي يُعتبر البوابة الإخبارية الأكثر تقدماُ في نشرها للتقارير المتعلقة بالتطرف والإرهاب والجريمة والسياسة الخارجية والأمن والشؤون العسكرية، نشر تقريراً مفصلاً بعنوان "كيف تدير المخابرات التركية برامج تجنيد سرية في الشتات الأوروبي"، كتبه عبد الله بوزكورت، أشار فيه إلى مصادر أمنية أوربية شاهدت وكشفت بنفسها كيف طورت وكالة المخابرات التركية أصولًا في أوروبا، ووصف النمسا وفرنسا كدولتين كان لديه معرفة مباشرة ببرامج التجسس التركي".  التقرير الموسع أضاف بأن وكالات الحكومة التركية التي تتمثل مهمتها المعلنة في مساعدة الأتراك في الخارج والترويج لتركيا من خلال الأنشطة التعليمية والثقافية والخيرية، فأنها فوق ذلك ومعه تدير عمليات سرية لمد الأذرع الطويلة لحكومة رجب طيب أردوغان في الأراضي الأجنبية، وخاصة في أوروبا، حيث يعيش حوالي 5 ملايين تركي مغترب".

متعلقات