لهجة أميركا تجاه حرب غزة.. بين البعد الإنساني وحل الدولتين

  • 2023-11-15 11:33:16

منذ تفجرت الأحداث في الشرق الأوسط كان موقف الولايات المتحدة لا يحتمل أي تأويل، حيث أعلن الرئيس بايدن أن الرد الإسرائيلي ليس حقا فقط بل هو واجب.

وحتى الكونغرس بأغلبيته المطلقة أعلن التأييد الواسع والدعم المالي الكبير للحكومة الإسرائيلية وكذلك إرسال حاملات الطائرات إلى البحر المتوسط وتقوية وتعزيز الإمدادات الجوية في الشرق الأوسط.

وبصورة أوضح أعلنت الولايات المتحدة أنها تضمن امتلاك إسرائيل كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وكل هذا يحمل تحيزا كاملا لإسرائيل دون توقف عند جذور المشكلة أو محاولة حلها لكن مع مرور الأيام وما عاناه الداخل الإسرائيلي في هذه الحرب والتعقيدات التي صاحبت جهود وزير الخارجية الأميركي للإفراج عن بعض الرهائن بدأت ملامح الموقف الأميركي تتغير.

وسأحاول هنا ومن خلال حوارات أجريتها بالقرب من الكابيتول هنا في واشنطن أن أعدد أهم الأسباب التي أسهمت في إرهاصات التغير في الموقف الأميركي ذلك أن هناك عشرات المظاهرات التي خرجت في العالم وفي الدول الغربية مستنكرة الصمت الدولي عن المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة وفي رأيي أن أهم  الأسباب التي ساهمت في تغير لهجة الخطاب الأميركي هي ما يلي:

أولا- تناقل الإعلام الأميركي وكذلك التلفزيونات الداخلية تصريحات النواب المعارضين داخل الكونغرس للدعم المطلق لحكومة نتنياهو والكلام هنا عن نواب الحزب الديمقراطي فهناك ملايين المؤيدين لهذا الحزب نراهم بين المسلمين وذوي البشرة السوداء وحتى اللاتينيين ولا شك أنه وفي أي انتخابات داخلية أو رئاسية يضع الحزب الديمقراطي ولاشك كل الاعتبارات لأصوات أولئك الناخبين.

ثانيا- (تأثير الموقف الأميركي على الداخل الإسرائيلي): لا شك أن تغير الموقف ولو بشكل نسبي يوصل إلى إسرائيل أن أميركا لم تعد قادرة على إنكار الجرائم الإسرائيلية في أروقة المجتمع الدولي فالقتلى قد تجاوزوا 12 الفا والوحدات السكنية تدمرت في غالبيتها على رؤوس ساكنيها ولم يعد بالإمكان بناء غزة مرة أخرى ناهيك عما يحصل في الضفة والقدس والتطهير العرقي الذي يقوم به المستوطنون في كل المدن هذا إذا ما أغفلنا فشل تنفيذ الهجوم البري بشكل كبير.

ثالثا- (القمة العربية الإسلامية المشتركة): حيث أن القمة التي عقدت يوم السبت أظهرت الموقف الداعم للفلسطينيين ورفضت التهجير القسري وطالبت بسرعة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية ومهما يكن من أمر فإن القمة أرسلت ولو بصورة غير مباشرة إلى الولايات المتحدة الدعوة إلى أن تغير واشنطن موقفها وانحيازها لإسرائيل وتعليق مجهودات مجلس الأمن باستخدام الفيتو لوقف الحرب.

رابعا- اليوم ترى الولايات المتحدة ووزير خارجيتها أن موقف واشنطن بداية الحرب ساهم بشكل أساسي في التصعيد حيث أعطى حكومة يمينية متطرفة الفرصة لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية والإعلان الإسرائيلي صراحة عن السعي إلى تغيير الشرق الأوسط ولاشك أن الولايات المتحدة أصبحت تدرك اليوم ثمن ذلك وهو العنف في كل المنطقة وذاك أمر لا تريده الولايات المتحدة ولا تتحمله.

خامسا- مع تغير اللهجة الأميركية تجاه هذه الحرب باتت الولايات المتحدة تدعوا ولو بصورة غير معلنة إلى ضرورة تدخل قوى إقليمية لها علاقات قوية مع كلا الطرفين قد يمكنها لجم (شهوة الانتقام )، التي لا زالت تسيطر على الحكومة الإسرائيلية وعلى أعضاء منها باتوا يريدون إبادة غزة بالأسلحة النووية وأن تكون تلك القوى الإقليمية أيضا- وعلى سبيل المثال روسيا ومصر وإيران والأردن- قادرة على السعي في الوسائل السلمية والدبلوماسية ومعه- أي هذا الموقف - يمكن للولايات المتحدة أن تحفظ ماء الوجه بعد انحياز مطلق لإسرائيل تسبب في كثير من العنف والعنف المضاد.

سادسا- لاشك أن وضوح الحقائق للرأي العام في واشنطن ومشاهدتهم لهذه المجازر الغير مسبوقة دعت الإدارة الأميركية إلى تغيير لغة الخطاب السياسي المتعلق بهذه الأزمة ونرى ذلك بوضوح في تصريحات باربرا ليف حيث الخوف من أن تدفع الإدارة الحالية ثمن الحرب في غزة وأن تدفع ثمن المستقبل السياسي للحزب الديمقراطي والنظرة في كل دول العالم إلى الولايات المتحدة التي باتت سفاراتها جميعا متهيبة من أي اعتداء ناهيك عن الداخل الأميركي الذي ضربته المظاهرات وتعطلت فيه حركة المواصلات بسبب خروج عشرات الآلاف في تحركات احتجاجية بسبب هذه الحرب فقد رأى العالم كله المتظاهرين الأميركيين يصلون للبيت الأبيض ويلطخون بعض جدرانه باللون الأحمر.

سابعا - هنا بجوار الكابيتول قال لي أحد أعضاء مجلس الشيوخ أن الرئيس بايدن بات يدرك أن كثيرا من داعميه قد يتخلون عنه في الانتخابات القادمة إذا استمر هذا النزيف المأساوي في غزة وما زيارة بلينكن الأخيرة للمنطقة إلا للتسويق لموقف جديد من الأحداث الجارية، حيث بدأ يلوح في الأفق موقف أقرب إلى التحول إلى النقيض حيث يعلن بلينكن صراحة ضرورة وقف استهداف المدنيين والتوافق مع القوانين الدولية وقوانين الحرب.

مشكلة الرئيس بايدن في رأيي أنه يعيش اليوم في أجواء مشحونة بحسابات انتخابية في العام المقبل يصعب التنبؤ بنتائجها وهو يدرك كيف تخدم العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل حملته الانتخابية بل وكل شؤون حزبه الديمقراطي وبات هو في حرب نفسية بين إطلاق يد إسرائيل وبين الأبعاد الإنسانية وكل ما يستطيعه هو الدعوة إلى معالجة المخاوف الإنسانية غير المنتهية في قطاع غزة.

ويبقى تغير اللهجة الأميركية من الأحداث دليلا على سعي أميركي ليس ببعيد من أجل عودة الضغوط السياسية على كل الأطراف للقبول ببعض الحلول وفي مقدمتها اصرار الولايات المتحدة على فرض حل الدولتين.

متعلقات