كيف تواجه أوروبا "معضلة الغاز" في ظل رئاسة ترامب؟
- 2025-01-24 11:51:00

مع عودته الرسمية إلى البيت الأبيض، يبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إعادة تشكيل سياسات الطاقة العالمية، مستخدماً استراتيجية تقوم على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي؛ لتعزيز مكانة الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي المسال.
يسعى ترامب إلى دفع أوروبا زيادة وارداتها من الغاز الأميركي، تحت شعارات تدعو إلى تحقيق "الأمن الطاقوي" ومواجهة الهيمنة الروسية على أسواق الطاقة الأوروبية. وهذه التحركات تأتي في ظل أزمات طاقة متلاحقة تعصف بالقارة الأوروبية، مما يجعلها أكثر عرضة لتقديم تنازلات لتأمين إمدادات مستقرة.
وبحسب محللين، فإن النهج الذي يتبناه ترامب لا يقتصر فقط على المصالح الاقتصادية، بل يمتد إلى توظيف الغاز كسلاح سياسي يهدف إلى تعزيز نفوذ واشنطن في أوروبا. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الغرب وروسيا، تجد الدول الأوروبية نفسها في مأزق معقد بين تأمين احتياجاتها الطاقوية والالتزام بأجندات سياسية تفرضها واشنطن.
وتعيد هذه المرحلة الجديدة طرح تساؤلات حول مستقبل التحالفات الغربية وكيفية توازن أوروبا بين استقلاليتها وسياسات ترامب التي تستغل أزمات الطاقة كأداة لإعادة ترتيب الأولويات العالمية.
"شراء كميات كبيرة من النفط والغاز.. وإلا، فسوف نضطر إلى فرض رسوم جمركية كاملة".. هكذا هدد ترامب الاتحاد الأوروبي بشن حرب تجارية ما لم يشتر المزيد من النفط والغاز الأميركيين.. ولكن على الرغم من إشارة بروكسل إلى انفتاحها على ذلك الأمر، فإنها في الوقت نفسه لا تملك القدرة على الشراء.
وبينما امتنع ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة في اليوم الأول، مما منح الأسواق راحة قصيرة الأجل، إلا أن المخاطر التجارية لا تزال قائمة، بحسب تقرير لـ "يورو نيوز" نقل تحذيرات الخبراء من أن الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا وأوروبا لا تزال محتملة، مع توقع اتخاذ تدابير محددة.
يشير التقرير إلى أن المستثمرين الذين كانوا يأملون في وضوح فوري بشأن السياسة التجارية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب يواجهون أسئلة أكثر من الإجابات بعد يومه الأول في منصبه.
ورغم عدم الإعلان عن أي تعريفات جمركية جديدة رسمية في يوم التنصيب، فقد ألمح الرئيس إلى فرض رسوم جمركية محتملة على المكسيك وكندا اعتبارا من الأول من فبراير المقبل.
وقد قدم التأخير راحة مؤقتة للأسواق، لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن السياسات الحمائية لا تزال راسخة على أجندة الإدارة الجديدة.
وقالت الخبيرة الاقتصادية البارزة لشؤون ألمانيا والتجارة العالمية في مجموعة آي إن جي، إنغا فيشنر: "ستحدث تغييرات كبيرة للتجارة الأميركية، حتى لو لم نحصل على تعريفات جمركية جديدة في اليوم الأول من تولي الرئيس ترامب منصبه".
المأزق الأوروبي
ووفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، فإن مسألة ما إذا كانت أوروبا قادرة على العمل ككتلة واحدة وشراء المزيد من الوقود الأميركي لا تزال تشكل ملفاً رئيسيا في العلاقات عبر الأطلسي بعد تنصيب الرئيس الأميركي.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين – بعد فترة وجيزة من إعادة انتخاب ترامب- قد أيدت فكرة شراء المزيد من الغاز الأميركي- وقالت حينها: "لماذا لا يتم استبدال الغاز الروسي بالغاز الطبيعي المسال الأميركي؟".
لكن على الجانب الآخر، ووفق مسؤولين ومحللين، فإن الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي ليست مشترياً للغاز ولا تستطيع أن تفعل أكثر من الإشارة إلى الرئيس الأميركي المنتخب بأن الشركات الأوروبية مهتمة بالغاز الطبيعي المسال الأميركي.
في العام 2022 تعهد الاتحاد الأوروبي بشراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة. بينما يقول المسؤولون إنه لا توجد خطط فورية لتحديث هذا الوعد، وفق التقرير، الذي نقل عن أحد المسؤولين بالاتحاد قوله: "ما هي الشروط التي نحتاج إلى توفيرها لتحقيق ذلك؟ لن نعيد النظر في كل شيء في اليوم التالي من تنصيب ترامب".
ويشير التقرير إلى أن المشكلة الأساسية تتمثل في عجز الاتحاد الأوروبي عن التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي الأرخص، ففي العام الماضي، استوردت شركات الاتحاد الأوروبي كميات قياسية من الغاز الطبيعي المسال من روسيا.
ضغط أميركي
وقال الرئيس التنفيذي لمعهد البترول الأميركي (أكبر مجموعة ضغط للنفط والغاز في الولايات المتحدة) مايك سومرز: "يجب أن يأتي الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة".
ولكن في ظل مخاوف من تقلص الإمدادات بعد أن أوقفت موسكو تدريجيا نقل الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا، امتنع الاتحاد الأوروبي عن حظر الغاز الطبيعي المسال، كما فعل مع روسيا والفحم ــ أو تحديد سقف سعري للغاز الطبيعي المسال الروسي الذي يتم شحنه على ناقلات النفط كما كانت الحال مع النفط الروسي.
وبدلاً من ذلك، حدد الاتحاد هدفاً إرشادياً للتوقف تماماً عن استخدام الوقود الأحفوري الروسي بحلول العام 2027، وسمح للحكومات بمنع المصدرين الروس من استخدام البنية الأساسية للغاز في الاتحاد الأوروبي. وقد اشتكى بعض الوزراء من أن هذا لا يكفي لإجبار الشركات على فسخ العقود القائمة.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي مشاركون في المفاوضات، قولهم إن الغاز الطبيعي المسال قد يتم تضمينه في جولة جديدة من العقوبات، لكن هذا يتطلب موافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، ومن المرجح أن تعارض المجر وسلوفاكيا ذلك.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قد أضافت هذا الشهر منشأتين روسيتين أصغر حجما للغاز الطبيعي المسال إلى قائمة العقوبات الأميركية، لكنها ترددت في إدراج يامال، وهي محطة رئيسية تزود أوروبا وأجزاء أخرى من العالم.