هل تنجح أوروبا في كسر قبضة وادي السيليكون؟
- 2025-07-23 07:50:21

تواجه أوروبا تحديًا مصيريًا في سعيها لتحقيق الاستقلال التكنولوجي، في وقت تزداد فيه حدة المنافسة العالمية في ظل هيمنة الشركات الأميركية.
وبينما فقدت القارة العجوز زمام المبادرة في سباق الذكاء الاصطناعي والرقمنة، تبرز اليوم فرصة جديدة في مجال الحوسبة الكمومية لتعيد تعريف موقعها في الخريطة التكنولوجية العالمية.
لكن الطريق نحو السيادة الرقمية لا يخلو من عقبات جسيمة، فالتحديات التي تواجهها أوروبا ترتبط بمزيج من نقص الاستثمارات، وتشتت الأسواق، وغياب الرؤية الموحدة. وبينما تضخ الولايات المتحدة والصين مليارات الدولارات في البحث والتطوير، تظل أوروبا عالقة بين ريادة البحث الأكاديمي وتخلف التطبيق التجاري.
سباق قوي
تحت عنوان "هل تتمكن أوروبا من التحرر من الهيمنة التكنولوجية الأميركية؟"، يشير تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى أن اعتماد القارة على المجموعات الأميركية في البنية التحتية الرقمية يسبب قلقًا متزايدًا بين المديرين التنفيذيين وصناع السياسات.
وينقل التقرير عن مدير شؤون أوروبا والشراكات عبر الأطلسي في "معهد الأسواق المفتوحة"، ماكس فون تون، قوله إن "تسليح التبعيات التكنولوجية" من قبل الحكومات، وهيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية على السوق، "أظهرا كما لم يحدث من قبل حاجة أوروبا إلى تعزيز قطاع تكنولوجي محلي مستقل ومنفتح وقادر على الصمود".
لكن بينما تنتقل أوروبا من تحليل المشكلة إلى اقتراح حلول محتملة – مثل تفضيل الشركات التكنولوجية الأوروبية على نظيراتها الأميركية – لا بد لها أيضًا من مواجهة حقيقة افتقارها لبدائل حقيقية؛ فعدد الشركات الأوروبية بين أكبر 50 شركة تكنولوجيا في العالم لا يتجاوز أصابع اليد. كما تواجه الشركات الناشئة في هذا القطاع داخل القارة عقبات تتمثل في عدم اليقين التنظيمي، وتشرذم السوق، وندرة خيارات التمويل، لا سيما في مجال رأس المال المخاطر.
وفي تقرير وصفته الصحيفة بـ "التاريخي" حول القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي العام الماضي، أظهر رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي بوضوح أن أوروبا شهدت اتساع فجوة الإنتاجية مع الولايات المتحدة، في الغالب بسبب ضعف الاتحاد الأوروبي في التكنولوجيات الناشئة.
هيمنة أميركية
الخبير التكنولوجي من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أوروبا تسعى جاهدة لتقليل اعتمادها على الهيمنة التكنولوجية الأميركية، وتواجه في سبيل ذلك تحديات كبيرة؛ فالعمود الفقري الرقمي لأوروبا، بما في ذلك الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، ومعالجة البيانات، يُدار إلى حد كبير من قبل شركات التكنولوجيا الأميركية. وهذا الاعتماد يثير قلقًا متزايدًا حول السيادة الرقمية والقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
وتبرز مجموعة من التحديات الرئيسية، على النحو التالي:
شركات التكنولوجيا الأميركية لديها تفوق كبير في الابتكار والأسواق، مما يجعل من الصعب على الشركات الأوروبية المنافسة.
على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال أوروبا بحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والبحث والتطوير لتعزيز الابتكار المحلي.
هناك تحديات في جذب واستقطاب المواهب التقنية ورؤوس الأموال العالمية داخل الاتحاد الأوروبي.
البورصات الأوروبية متفرقة، ولا توجد سياسة مالية موحدة قوية بما يكفي لمواجهة السياسة المالية الأميركية.
حتى مع وجود حلول أوروبية بديلة، قد يواجه المستخدمون والشركات مقاومة لتغيير الأدوات والأنظمة التي اعتادوا عليها.
مع تصاعد النفوذ الذي تمارسه شركات التكنولوجيا الأميركية، يزداد القلق من إمكانية توظيف هذا النفوذ كورقة جيوسياسية.
ويستعرض بانافع في الوقت نفسه مجموعة من الجهود الأوروبية الهادفة للتحرر من الهيمنة الأميركية، وفي مقدمتها تبني الاتحاد الأوروبي تشريعات رقمية قوية مثل قانون الأسواق الرقمية (DMA) وقانون الخدمات الرقمية (DSA)، بهدف كبح هيمنة عمالقة التكنولوجيا، وضمان المنافسة العادلة، وحماية البيانات.
علاوة على مبادرات السيادة الرقمية، مثل GAIA-X لإنشاء بنية تحتية سحابية آمنة وقابلة للتشغيل البيني بناءً على القيم الأوروبية، وتهدف إلى تقليل الاعتماد على مزودي الخدمات من خارج أوروبا. ويضاف إلى ذلك سعي أوروبا إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، وتخصيص مليارات اليوروهات لدعم هذه المجالات.
ويشير الخبير التكنولوجي في الوقت نفسه إلى الجهود المبذولة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجال التكنولوجيا لإنشاء منظومة تقنية أوروبية موحدة.. كما تعمل أوروبا على ضمان سيادتها على البيانات، بما في ذلك التحكم في كيفية معالجة البيانات الشخصية وغير الشخصية.
وتدرك أوروبا تمامًا أهمية السيادة التكنولوجية وتسعى بجد لتحقيقها. ومع ذلك، فإن التحرر الكامل من الهيمنة التكنولوجية الأميركية يمثل تحديًا استراتيجيًا كبيرًا يتطلب استثمارات ضخمة، وتعزيز الابتكار، وجذب المواهب، وتوحيد الجهود عبر الدول الأعضاء. على الرغم من أن الطريق طويل ومليء بالعقبات، إلا أن التزام أوروبا بالسيادة الرقمية عبر التشريعات والمبادرات يظهر رغبة قوية في تشكيل مستقبل تكنولوجي أكثر استقلالية.
فرصة جديدة!
وفي سياق متصل، يشير تقرير لمجلة بوليتكو إلى أن أوروبا تُقبل على سباق تكنولوجي جديد في مجال الحوسبة الكمومية، لكنها تواجه تحديات مألوفة تُهدد تفوقها أمام الولايات المتحدة والصين. فبعد تأخرها الملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي، تمثل التكنولوجيا الكمومية فرصة جديدة لتحقيق قصة نجاح اقتصادي.