عائدات لا تقاوم.. هل أصبحت الرسوم "إدمانا ماليا" لأميركا؟
- 2025-08-07 02:42:18

بدأت الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بتحقيق مبالغ ضخمة للخزينة الأميركية، مما يشكّل مصدر دخل جديد يعوّل عليه الساسة في الدولة المثقلة بالديون.
ففي إطار سعيه لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، فرض الرئيس ترامب ومنذ توليه مقاليد الحكم في أميركا للمرة الثانية، تعرفات جمركية باهظة، على جميع الشركاء التجاريين لبلاده، كان أبرزها ما تم الإعلان عنه في 2 أبريل 2025، أو ما بات يُعرف باسم "يوم التحرير" أو Liberation Day.
وبينما تتجه أنظار العالم إلى تاريخ 7 أغسطس 2025، موعد دخول حزمة جديدة من الرسوم الجمركية الأميركية حيّز التنفيذ، كشفت البيانات عن قفزة كبيرة في عائدات الضرائب على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة خلال هذا العام، وذلك بفعل الرسوم الجمركية وبعض الضرائب على الإنتاج.
وقد بلغت الإيرادات المُحصلة حتى نهاية يوليو 2025 نحو 152 مليار دولار، أي ما يقارب ضعف الإيرادات المُسجّلة في الفترة نفسها من السنة المالية 2024، والتي بلغت 78 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية.
وتفتح هذه الأرقام الكبيرة شهية الساسة من مختلف الأطياف في أميركا، حيث أن التحوّل الذي احدثته سياسة ترامب في أسلوب تحقيق البلاد لإيرادات ضخمة، سيجعل من خيار التخلي عن الرسوم الجمركية في المستقبل أمراً مستحيلاً، فبحسب تقرير أعدته "نيويورك تايمز"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطالما حلم باستبدال الضرائب على الدخل بالرسوم الجمركية، وهو كثيراً ما كان يُشير بشغف إلى السياسة المالية الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر، عندما لم تكن هناك ضريبة دخل وكانت الحكومة تعتمد على الرسوم الجمركية، مُستشهداً بذلك كنموذج للمستقبل.
كما دأب ترامب على اعتبار أن نهج الرسوم الجمركية يُعدّ انتصاراً للولايات المتحدة، وهو جادل أعضاء إدارته بأن الأموال الناتجة عن هذه الرسوم، ستساعد في سد الفجوة التي أحدثتها التخفيضات الضريبية الواسعة التي أقرها الكونغرس الشهر الماضي.
من سيجني ثمار الرسوم؟
وبالفعل بدأ بعض المسؤولين في واشنطن، بالتفكير في كيفية استخدام العائدات الضخمة التي تولدها الرسوم الجمركية، حيث طرح الرئيس الأميركي مؤخراً فكرة تقديم خصم نقدي للمواطنين الأميركيين من عائدات تلك الرسوم، مشدداً على أن الأولوية الأهم تبقى لسداد الديون، في حين قدّم السيناتور الجمهوري جوش هاولي، عن ولاية ميزوري، مشروع قانون يقترح منح 600 دولار لعدد كبير من الأميركيين.
"إدمان" يصعب التخلي عنه
ويتوقع المحللون أن الرسوم الجمركية وفي حال بقيت سارية، ستدر إيرادات إضافية تزيد قيمتها عن تريليوني دولار خلال العقد المقبل.
ورغم أن عدداً كبيراً من الاقتصاديين يأملون في تراجع واشنطن عن فرض هذه الرسوم، إلا أن البعض يقرّ بأن هذا التدفق الضخم من الإيرادات، قد يصعب الاستغناء عنه في نهاية المطاف، حيث يرى جواو غوميز، الخبير الاقتصادي في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، أن هذا النوع من الإيرادات يصبح أشبه بالإدمان، فمن الصعب جداً التخلي عن مصدر دخل كبير في ظلّ تفاقم العجز والدين العام.
وفي السياق نفسه، يقول إرني تيديشي، مدير الاقتصاد في مختبر الميزانية بجامعة ييل والمسؤول السابق في إدارة بايدن، إن القادة المستقبليين في واشنطن، سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين، قد يترددون في إلغاء الرسوم الجمركية إذا تبيّن أن ذلك سيزيد من عبء الدين على أميركا، وهو الأمر الذي سيتسبب بإثارة قلق وول ستريت بالفعل. فاستبدال عائدات الرسوم الجمركية بنوع آخر من الضرائب سيتطلب من الكونغرس اتخاذ إجراءات تشريعية معقدة، في حين أن الرسوم الجمركية تعتبر قراراً موروثاً اتخذه رئيس سابق.
وبحسب تقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الديمقراطيين وفي حال عودتهم إلى السلطة قد يجدون صعوبة في مقاومة إغراء استخدام إيرادات الرسوم الجمركية لتمويل برامج اجتماعية جديدة، خصوصاً إذا استمرت التعقيدات في تمرير الزيادات الضريبية عبر الكونغرس، وهذا ما سيجعل من قرار الإبقاء على الوضع الراهن خياراً سياسياً أكثر سهولة من خوض معركة لتغيير مسار السياسة التجارية.
ويؤكّد تايسون برودي، الخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي، أن الرسوم الجمركية تُحدث تحولاً عميقاً، مشيراً إلى أن الفكرة التي بدأت تترسخ بين الديمقراطيين، هي أن إلغاء الرسوم الجمركية سيكون مستحيلاً تقريباً، في حين أنه سيكون هناك قدر كبير من المال لاستخدامه وإعادة برمجته.