عالم ما بعد أميركا.. كيف تفكر الصين؟

  • 2025-09-08 03:06:22

يشير تصاعد الخطاب الصيني في الآونة الأخيرة إلى تحولات أعمق في المشهد الدولي، حيث تسعى بكين إلى تكريس رؤيتها لعالم جديد يتجاوز الهيمنة الأميركية، وهو التوجه الذي يأتي بالتزامن مع تراجع الثقة في قدرة واشنطن على فرض إرادتها منفردة، ومع بروز قوى أخرى تتطلع لتوسيع حضورها في معادلة النفوذ العالمي.

يبرز في هذا السياق مفهوم "عالم ما بعد أميركا"، وهو مصطلح بات يتردد على ألسنة الساسة والخبراء، ويعكس إدراكاً متنامياً بأن النظام الدولي يتغير بوتيرة متسارعة، لا سيما وأن الصراع لم يعد محصوراً في المنافسة الاقتصادية أو الجيوسياسية، وإنما يتداخل مع قضايا التكنولوجيا والطاقة والتحالفات الجديدة التي تعيد رسم ملامح التوازنات.

يترافق ذلك مع جهود صينية لتقديم نفسها بوصفها قوة قادرة على صياغة بديل عالمي يقوم على التعاون والمنفعة المتبادلة، بعيداً عن منطق الأحادية والتفرد بالقرار.

وبينما يثير هذا التحول نقاشات متباينة في العواصم الكبرى، تبقى معالم المرحلة المقبلة مرهونة بمدى قدرة بكين على تحويل طموحاتها إلى واقع ملموس.

عالم ما بعد أميركا

في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ "يخطط لعالم ما بعد أميركا"، منبهاً إلى أنه "بقيادة الصين، تسعى مجموعة متنامية من الدول إلى تغيير النظام العالمي، ويبدو أنها تميل بشكل متزايد إلى العمل معاً".

وينبه إلى أنه "إذا كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد بدأ الآن في الاعتقاد بأن روسيا والصين وكوريا الشمالية تنوي مجتمعة تقويض القيادة الأميركية العالمية، فهو متأخر في تبني فكرة أصبحت مقبولة على نطاق واسع في واشنطن خلال سنوات بايدن".

في الأشهر الأخيرة، قلل بعض المحللين من أهمية فكرة "محور الاضطرابات"، مشيرين إلى عدم وجود دعم روسي أو صيني ملموس لإيران عندما تعرضت للهجوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو.

لكن كوريا الشمالية وإيران والصين لعبت جميعها أدواراً مهمة في دعم حرب روسيا في أوكرانيا. وصلت قوات كورية شمالية للقتال إلى جانب الروس في منطقة كورسك أواخر العام الماضي.

طائرات "شهيد" المسيرة، التي كانت تتساقط على المدن والقوات الأوكرانية بأعداد متزايدة في الأسابيع الأخيرة، صُممت في إيران، وتُصنع الآن في روسيا.

كما وفّرت التجارة مع الصين شريان حياة للاقتصاد الروسي، مما مكّنه من الصمود في وجه العقوبات الغربية.

رسائل الرئيس شي

في السياق، يُبرز تقرير لـ "رويترز" الرسائل التي بعثت بها الصين أخيراً خلال قمة شنغهاي للتعاون والعرض العسكري، مشيراً إلى هذا الاستعراض للنفوذ الدبلوماسي والصمود والطموح الجيوسياسي أسهم في تهدئة مخاوف بعض مراقبي الشؤون الصينية بشأن حيوية الرئيس البالغ من العمر 72 عاماً، المرتبطة بغيابات متقطعة وخطط خلافة غير معروفة حتى الآن. كما أسهم في تحويل الانتباه المحلي عن تباطؤ النمو، وفقاً للخبراء.

ونقل عن نيل توماس من جمعية آسيا، وهي مؤسسة بحثية مقرها نيويورك، قوله: "يُظهر هذا الأسبوع من الدبلوماسية المنتصرة لشي أنه لا يزال يُسيطر تماماً على سياسات النخبة في الحزب الشيوعي".

وأضاف توماس أن شي، الذي عجز عن الحصول على نفس الشرعية من النمو الاقتصادي التي حظي بها أسلافه، لجأ إلى القومية "لمحاولة تعويض ذلك"، مردفاً: "إنها طريقة لتحويل الانتباه عن التحديات الاقتصادية وجعل المواطنين فخورين بكونهم صينيين، حتى لو كان من الصعب الشعور بذلك من خلال التجارب اليومية للبطالة وانخفاض أسعار المساكن وركود الأجور".

تراجع الهيمنة

تقول الكاتبة الصحافية الصينية، سعاد ياي شين هوا، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

مفهوم "عالم ما بعد أميركا" لا يعني اختفاء القوة الأميركية فجأة، بل تراجع هيمنتها النسبية وبروز ملامح التعددية القطبية بشكل متسارع.

من هذا المنطلق، لا تنظر الصين إلى الأمر كصراع صفري أو عملية "إحلال محلّ"، بل كجزء من تحولات كبرى لم يشهدها العالم منذ قرن.

الصين تطرح رؤية مختلفة تقوم على بناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، حيث يكون التعاون والمنفعة المتبادلة هما السبيل الأمثل للتكيف مع المشهد الدولي الجديد.
من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق، ومشاركتها الفاعلة في الأمم المتحدة، ومجموعة بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، لا تسعى بكين إلى الهيمنة، بل إلى تقديم منتجات عامة عالمية عبر التعاون، وهو ما يميزها عن التجارب السابقة للقوى الكبرى التي ارتبطت بالصدام عند تغيّر موازين القوة.
وتضيف: "الصين تفكر بالمستقبل من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة والتنمية الخضراء والاقتصاد الرقمي، ليس فقط من أجل تحقيق التنمية الذاتية، بل أيضاً لتقاسم خبراتها والمساهمة في التنمية المستدامة عالمياً".

كما تؤكد أنه برغم ما تواجهه من سوء فهم أو عداء في بعض الأوساط الغربية، تؤكد بكين أنها لا تتبنى عقلية الحرب الباردة، بل تدعو إلى الحوار والانفتاح، وإلى احترام تنوع الحضارات ورفض الأحادية.

ووفق الكاتبة الصينية فإن "عالم ما بعد أميركا يعني نظاماً دولياً متعدد الأقطاب، تسعى الصين أن تكون فيه شريكاً ومساهماً في بناء نظام أكثر عدلاً وتوازناً، قائم على التعاون بدلاً من المواجهة".

متعلقات