تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران – بين التهديدات والتفاوض المشروط
- 2025-03-08 23:20:14

كتب : جمال بدر العواضي
تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تصعيدًا جديدًا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إرساله رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يحثه فيها على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي تصريح مثير للجدل، حذّر ترامب من أن البديل عن التفاوض قد يكون الخيار العسكري، مشددًا على أن هناك “شيئًا ما سيحدث قريبًا جدًا” فيما يتعلق بإيران.
هذه الرسالة تأتي في ظل تصاعد التوترات بين الطرفين، حيث تسعى واشنطن إلى فرض شروط جديدة على طهران تحد من برنامجها النووي ونفوذها الإقليمي، بينما ترفض الأخيرة الرضوخ لأي ضغوط دولية، معتبرة أن أي مفاوضات يجب أن تكون غير مشروطة وتضمن لها حقوقها السيادية.
ترامب وإيران: عودة إلى المواجهة بعد سنوات من التهدئة؟
منذ انسحابه من الاتفاق النووي في مايو 2018، تبنى ترامب سياسة “الضغوط القصوى” ضد إيران، حيث فرضت إدارته عقوبات غير مسبوقة استهدفت الاقتصاد الإيراني، وشملت قطاعات النفط، والبنوك، والصناعات العسكرية، في محاولة لدفع طهران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة. لكن رغم هذه العقوبات، واصلت إيران تطوير برنامجها النووي وزيادة تخصيب اليورانيوم، في خطوة أثارت قلق المجتمع الدولي.
بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض في يناير 2021، شهدت السياسة الأمريكية تجاه إيران تحولات واضحة مع تولي جو بايدن، حيث حاولت الإدارة الأمريكية إعادة إحياء الاتفاق النووي من خلال مفاوضات في فيينا. إلا أن هذه المحاولات لم تفضِ إلى نتائج ملموسة بسبب رفض إيران تقليص برنامجها النووي دون ضمانات أمريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق مجددًا، بالإضافة إلى استمرار دعمها لوكلائها الإقليميين في لبنان، سوريا، العراق، واليمن.
ومع عودة ترامب إلى الواجهة السياسية، وتصاعد التوترات في المنطقة، تعود المواجهة بين واشنطن وطهران إلى نقطة الصفر، حيث يحاول ترامب إعادة فرض شروطه على إيران بأسلوب أكثر تشددًا.
ايران : لا تفاوض تحت الضغط
في رد مباشر على رسالة ترامب، أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن إيران لن تخضع للضغوط الدولية، مشددًا على أن الولايات المتحدة تحاول إعادة سيناريو العقوبات والتصعيد العسكري لدفع طهران إلى التفاوض من موقع ضعف. خامنئي أوضح أن بلاده لن تتخلى عن برنامجها النووي السلمي، ولن تتوقف عن دعم حلفائها الإقليميين، معتبرًا أن التهديدات العسكرية الأمريكية مجرد محاولة لابتزاز إيران سياسيًا.
الموقف الإيراني: خيارات المقاومة لا تزال مفتوحة
تدرك طهران أن واشنطن غير مستعدة لخوض مواجهة عسكرية مفتوحة، خاصة في ظل الأوضاع الدولية المتوترة بعد الحرب في أوكرانيا وتصاعد التنافس مع الصين. ولذلك، تسعى إيران إلى المماطلة وكسب الوقت، في محاولة لتعزيز قدراتها النووية والعسكرية، وخلق واقع جديد يجعل من الصعب على الولايات المتحدة وحلفائها فرض أي اتفاق بشروط مجحفة لطهران.
كما تراهن إيران على علاقاتها الاستراتيجية مع الصين وروسيا، حيث وقعّت اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع البلدين، ما يساعدها على تجاوز العقوبات الأمريكية والحصول على الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية.
في ظل هذا التصعيد الجديد، أبدت بعض القوى الدولية قلقها من احتمال تحول التوترات بين واشنطن وطهران إلى مواجهة عسكرية مباشرة، خاصة أن المنطقة تشهد بالفعل تصعيدًا أمنيًا، سواء في العراق وسوريا، أو عبر الهجمات المتبادلة في البحر الأحمر والخليج العربي.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية: تحذيرات من تسارع تخصيب اليورانيوم!
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران باتت قريبة جدًا من امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي، مشيرة إلى أن برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني تجاوز مستويات الاتفاق النووي لعام 2015. كما حذّرت من أن الوقت ينفد أمام إيجاد حلول دبلوماسية تمنع إيران من بلوغ العتبة النووية.
الموقف الأوروبي: دعوات للتهدئة !
تسعى الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، إلى إحياء الاتفاق النووي وتجنب التصعيد، حيث دعا المسؤولون الأوروبيون إلى مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن، مع تقديم بعض الحوافز الاقتصادية لإيران مقابل العودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي.
روسيا والصين: دعم لطهران ورفض الضغوط الأمريكية
أما روسيا والصين، فكان موقفهما أكثر وضوحًا، حيث رفضتا الضغوط الأمريكية على إيران، واعتبرتا أن واشنطن هي المسؤولة عن تصعيد الأزمة بعد انسحابها من الاتفاق النووي. كما عززت الصين علاقاتها التجارية مع إيران، فيما قدمت روسيا مساعدات عسكرية وتقنية لطهران، ما منح الأخيرة هامشًا أكبر للمناورة.
إلى أين تتجه الأزمة؟
مع احتدام التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يبرز أمام المشهد الدولي عدة سيناريوهات محتملة:
1. التوصل إلى اتفاق جديد بشروط معدلة:
رغم التعقيدات، قد تقود الضغوط الدولية إلى استئناف المفاوضات، مع إمكانية التوصل إلى اتفاق يحقق التوازن بين مطالب واشنطن وطهران، خاصة إذا تم تقديم حوافز اقتصادية لإيران.
2. تصعيد عسكري محدود:
في حال استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي، قد تلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل إلى ضربات عسكرية محدودة تستهدف المنشآت النووية الإيرانية، مما قد يؤدي إلى رد إيراني عبر وكلائها الإقليميين.
3. استمرار الجمود والمواجهة غير المباشرة:
قد تستمر حالة التوتر دون انفجار صراع مباشر، حيث تلجأ إيران إلى تصعيد تكتيكي عبر هجمات غير مباشرة على المصالح الأمريكية في المنطقة، فيما تستمر واشنطن في فرض عقوبات اقتصادية خانقة.
أزمة بلا حلول سهلة!
تبقى الأزمة بين واشنطن وطهران واحدة من أعقد الملفات الدولية، حيث تتشابك فيها السياسات الإقليمية والدولية، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار الشرق الأوسط. وفي ظل المواقف المتصلبة من الطرفين، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الدبلوماسية الدولية من تجنب مواجهة كبرى، أم أن التصعيد العسكري بات خيارًا لا مفر منه؟