تقرير - تصعيد غربي غير مسبوق ضد شبكات الإسلام السياسي: قرار ترامب بتصنيف فروع الإخوان إرهابية يتقاطع مع خطوات أوروبية صارمة في إطار «إعلان حماية» جديد للمجتمعات الغربية من التطرف العابر للحدود
- 2025-11-26 12:56:25
باريس- القرار التنفيذي الجديد الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبدء عملية تصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كـ«منظمات إرهابية أجنبية» و«إرهابيين عالميين مُصنَّفين بشكل خاص»، يضعه في سياق أوسع من تحرّك غربي متدرّج أميركي وأوروبي لبناء جدار حماية أمام تمدد جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، التي تنشط في أوروبا والولايات المتحدة تحت غطاء المعاهد والمساجد والمؤسسات الدعوية والخيرية ومنظمات المجتمع المدني.
أولاً: مضمون القرار الأميركي وأهدافه
بحسب الأمر التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض، وجّه الرئيس ترامب وزارتي الخارجية والخزانة، بالتشاور مع المدعي العام ومدير الاستخبارات الوطنية، لإعداد تقرير خلال فترة زمنية محددة يقيّم إمكانية تصنيف فروع محددة من جماعة الإخوان – وخصوصاً في لبنان ومصر والأردن – كـ«منظمات إرهابية أجنبية» (FTOs) و«إرهابيين عالميين مُصنَّفين بشكل خاص» (SDGTs) بموجب التشريعات الأميركية الخاصة بمكافحة الإرهاب والعقوبات.
1- استهداف الشبكة العابرة للحدود
القرار لا يتجه إلى تصنيف التنظيم الأم فقط، بل يركّز على الفروع التي يُشتبه في تورطها في دعم العنف أو تمويله، بما في ذلك:
- اتهامات للجناح العسكري لفرع لبناني للإخوان بالمساعدة في إطلاق هجمات صاروخية على أهداف داخل إسرائيل عقب أحداث 7 أكتوبر 2023.
- تشجيع قيادي بارز في الجماعة في مصر على التحريض ضد شركاء واشنطن ومصالحها في المنطقة بالتزامن مع هجوم حماس.
- دعم مادي من قادة الإخوان في الأردن للجناح المسلح لحركة حماس، وفق تقديرات استخباراتية أميركية.
2- الأدوات المتاحة بعد التصنيف
حال استكمال عملية التصنيف، سيتمكّن صانع القرار الأميركي من:
- تجميد أصول الفروع المصنّفة داخل الولايات المتحدة.
- تجريم تقديم الدعم المالي أو اللوجستي لها من قِبل أفراد أو مؤسسات أميركية.
- توسيع صلاحيات الملاحقة القضائية والتحقيقات الاستخباراتية ضد الشبكات والأفراد المرتبطين بها.
وتؤكد الإدارة أن الهدف هو حرمان هذه الفروع من الموارد وتعطيل قدرتها على تهديد الأمن القومي الأميركي أو مصالح واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط.
ثانياً: القرار في إطار سياسة أوسع لمكافحة الإسلام السياسي
1- من مكافحة الإرهاب العنيف إلى مواجهة «الشبكات الأيديولوجية»
الخطوة الأميركية تأتي ضمن تحوّل أوسع في مقاربة التهديد؛ إذ لم يعد التركيز مقتصراً على تنظيمات جهادية صريحة مثل داعش والقاعدة، بل يمتد إلى الشبكات الحركية للإسلام السياسي، التي تُتَّهم بتوفير الغطاء الأيديولوجي والبنية التنظيمية التي تتغذى منها الحركات العنيفة.
2- تداخل الساحات: الشرق الأوسط – أوروبا – الولايات المتحدة
الإدارة الأميركية تبرّر القرار بالإشارة إلى أن شبكة الإخوان العابرة للحدود لا تعمل في الشرق الأوسط فقط، بل تمتلك امتدادات في أوروبا وأميركا الشمالية عبر:
- جمعيات «حقوقية» أو «طلابية» أو «خيرية».
- معاهد وكليات شرعية ومراكز أبحاث.
- مجالس إدارة لمساجد ومراكز إسلامية كبرى.
هذه البُنى، وفق تقارير بحثية وأمنية حديثة، تُستخدم لنشر أيديولوجيا الإسلام السياسي تحت خطاب ديني معتدل ظاهرياً، لكنها تسعى على المدى البعيد إلى إعادة تشكيل منظومة القيم والولاءات لدى جزء من المسلمين في الغرب
ثالثاً: الخطوات المتوازية في أوروبا ضد جماعة الإخوان وشبكات الإسلام السياسي
بالتوازي مع الموقف الأميركي المتشدد، تشهد أوروبا منذ سنوات مساراً تصاعدياً في التعامل مع الإخوان وبنى الإسلام السياسي، يمكن تلخيصه في نماذج رئيسية:
1- النمسا: حظر الرموز وتشديد الرقابة على الجمعيات
في عام 2019 أدرجت النمسا شعار جماعة الإخوان ضمن قائمة الرموز المحظورة، إلى جانب شعارات تنظيمات متطرفة أخرى، وهو ما يمنع استخدامها في الفضاء العام ويُجرّم الترويج لها.
أطلقت الحكومة ما عُرف إعلامياً بـ«خريطة الإسلام» التي حَدّدت مواقع مئات المساجد والجمعيات الإسلامية، في إطار مراقبة النفوذ الأيديولوجي والتمويل الخارجي، ما أثار جدلاً واسعاً لكنها عكست توجهاً واضحاً نحو التعامل الصارم مع بنى يُشتبه بارتباطها بالإسلام السياسي.
2- فرنسا: قانون «مكافحة الانفصالية» وحلّ جمعيات متهمة بالارتباط بالإخوان
أقرّت فرنسا في 2021 قانوناً يُعرف بقانون مكافحة الانفصالية، شدّد شروط عمل وتمويل الجمعيات الدينية والتعليمية، وأعطى الدولة أدوات واسعة لإغلاق المساجد والمراكز التي يُشتبه في نشرها لخطاب كراهية أو تبرير العنف أو رفض قيم الجمهورية.
في أعقاب اغتيال المدرّس صامويل باتي، حُلّت جمعيات عدّة بينها جمعية «بركة سيتي» الخيرية،
و«التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا» (CCIF)،بعد اتهامها بتبنّي خطاب إسلاموي أو تغذية مناخ عدائي لقيم الجمهورية. وقد صادقت أعلى هيئة قضائية إدارية (مجلس الدولة) على قرارات الحلّ.
في مايو 2025، صدر تقرير رسمي فرنسي عن نفوذ أيديولوجية الإخوان في فرنسا، حذّر من انتشار «تهديد طويل الأمد» يعمل عبر التعليم والجمعيات ومراكز تكوين الأئمة، ويهدّد «النسيج المجتمعي والتماسك الوطني» رغم عدم تجسّده دائماً في عنف مباشر.
3- ألمانيا: مراقبة استخباراتية وحظر منظمات إسلاموية
الاستخبارات الداخلية الألمانية (BfV) تعتبر الإخوان جزءاً من طيف «الإسلاموية» التي تسعى لتقويض النظام الديمقراطي الحر، ووصفت الجماعة في تقاريرها بأنها «شمولية» وتشكل تهديداً طويل الأمد لأركان الديمقراطية، بل أخطر من بعض التنظيمات الجهادية من حيث القدرة على اختراق المؤسسات.
في نوفمبر 2025، حظرت الحكومة الألمانية منظمة Muslim Interaktiv ومجموعات إسلاموية أخرى، متهمة إياها بالترويج لتطبيق الشريعة فوق القانون الألماني، والتحريض على الكراهية وتقويض النظام الديمقراطي. شملت الإجراءات مداهمات وتجميداً للأصول ومنعاً لعرض الرموز والشعارات.
4. مستوى الاتحاد الأوروبي: تقارير برلمانية وتحرك سياسي متصاعد
خلال 2024–2025، وُجّهت أسئلة برلمانية مكتوبة للمفوضية الأوروبية بشأن تمويل جمعيات مرتبطة بالإخوان بأموال أوروبية، مع الدعوة إلى تدقيق صارم في هذه التمويلات ووقف دعم أي كيانات يُشتبه في تبنّيها أيديولوجيا الإسلام السياسي.
في نوفمبر 2025، استضاف البرلمان الأوروبي عرض تقرير بعنوان «Unmasking the Muslim Brotherhood» الذي كشف عن اختراق الجماعة للمؤسسات الأوروبية وشبكة نفوذها عبر جمعيات وواجهات «حقوقية» و«شبابية» و«تعليمية»، محذّراً من أثرها على سياسات الاتحاد وقيمه.
بالتوازي، خرجت فعاليات في بروكسل ولاهاي تطالب الاتحاد الأوروبي بتصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية، في إطار حملة أوسع تحت شعار ClassifyMBNow، مستندة إلى تقارير استخباراتية فرنسية وبلجيكية حول «تغلغل» الجماعة في أوروبا.
هذه التطورات لا تعني أن الاتحاد الأوروبي ككل حظر الإخوان رسمياً، لكنها تعكس اتجاهاً سياسياً متنامياً نحو التعامل مع الجماعة كخطر استراتيجي على المدى البعيد.
رابعاً: تقاطع المسارين الأميركي والأوروبي نحو «إعلان حماية» للمجتمعات الغربية
يمكن قراءة الأمر التنفيذي الأميركي والخطوات الأوروبية المتزامنة في إطار واحد أوسع، يمثّل بداية إعلان غير مكتوب لحماية المجتمعات الغربية من تأثير شبكات الإسلام السياسي المتطرف، وذلك عبر عدة عناصر مشتركة:
توحيد تشخيص الخطر
– واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية باتت تنظر إلى الإخوان كـ«شبكة أيديولوجية وتنظيمية» تتجاوز الحدود الوطنية، وتستغل:
- المعاهد والمدارس الشرعية،
- المساجد الكبرى والمراكز الثقافية،
- الاتحادات الطلابية ومنظمات الشباب،
بهدف تكوين نخب جديدة تدين بالولاء لمشروع سياسي عابر للحدود أكثر من ولائها لقيم الديمقراطية والاندماج الوطني.
استهداف البنى الناعمة قبل تحوّلها إلى عنف
– إذا كان القرار الأميركي يركّز على الفروع المتورطة مباشرة في العنف أو دعم حماس، فإن الخبرة الأوروبية تُظهر انتقالاً من ملاحقة «الإرهاب العنيف» فقط إلى مراقبة «الإسلاموية غير العنيفة ظاهرياً» التي تضع أساساً فكرياً للتطرف، مع أدوات قانونية تشمل:
- حظر الرموز والشعارات (النمسا).
- حلّ الجمعيات وغلق المساجد والمراكز (فرنسا، ألمانيا).
- تشديد الرقابة على التمويل الأجنبي والبرامج التعليمية الدينية.
البُعد الأطلسي: أوروبا – الولايات المتحدة
– تقارير بحثية أميركية وأوروبية حديثة تحذّر من أن جماعة الإخوان والواجهات المرتبطة بها تنشط أيضاً في الحرم الجامعي الأميركي، وفي منظمات المجتمع المدني، وأن أي تصنيف قانوني للجماعة أو فروعها ليس إلا «الخطوة الأولى» في مواجهة استراتيجية اختراق طويلة الأمد للمؤسسات الغربية.
التحدي: حماية الأمن مع صون الحريات الدينية
– في المقابل، تثير هذه السياسات مخاوف من أن يمتد أثرها إلى عموم المسلمين، وأن تُسهم في تغذية خطاب الاضطهاد والإسلاموفوبيا إذا لم تُصغ بدقة قانونية وسياسية تفصل بوضوح بين الإسلام كدين وبين جماعات الإسلام السياسي كحركات أيديولوجية ذات مشروع سلطوي. النقاش الدائر اليوم في فرنسا وألمانيا والبرلمان الأوروبي يعبّر عن هذا التوتر بين مقتضيات الأمن ومتطلبات حماية الحريات الأساسية.
الخلاصة :
القرار التنفيذي الأميركي ببدء تصنيف فروع من جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية، بالتوازي مع سلسلة الإجراءات الأوروبية في النمسا وفرنسا وألمانيا ومع تصاعد النقاش داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يشكّل مرحلة جديدة في تعامل الغرب مع جماعات الإسلام السياسي.
ما تقوم به هذه الدول من حظر رموز، وحلّ جمعيات، وتشديد الرقابة على المساجد والمعاهد، وتجفيف موارد الفروع المتورطة في العنف – يمكن اعتباره بداية إعلان لحماية المجتمعات الغربية من مشروع أيديولوجي متطرف يعمل بصمت داخل الأطر الدينية والتعليمية والخيرية، ويتغذى من هوامش الحرية القانونية كي يطوّعها لصالح أجندة مناقضة لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
التحدي في المرحلة المقبلة سيكون في ترسيخ هذه الحماية دون السقوط في تعميمات تمسّ ملايين المسلمين المسالمين في أوروبا والولايات المتحدة، عبر استهداف البنى الأيديولوجية والتنظيمية للإخوان وسائر جماعات الإسلام السياسي بدقة قانونية، مع الحفاظ على حقوق المواطنة وحرية العبادة.
تقرير صادر عن :
الوكالة الدولية للصحافة والدراسات الاستراتيجية

