تشهد أسواق المحاصيل في السودان كسادا كبيرا، حيث تباع بعض المنتجات النقدية الأساسية التي يعتمد عليها المزارع السوداني في توفير احتياجاته السنوية مثل السمسم والبلح بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج، مما اثار المخاوف من إعسار الكثير من المزارعين الذين يعتمدون على التمويل المصرفي في تسيير الموسم الزراعي.
تراجع كبير
وتباع بعض المحاصيل مثل السمسم والبلح بأسعار تقل بنحو 20 بالمئة عن تكلفة الإنتاج، مما وضع المزارعين أمام أحد خيارين إما البيع بالخسارة وبالتالي العجز عن سداد التمويلات التي حصلوا عليها من المصارف أثناء موسم الزراعة أو الانتظار والمخاطرة في ظل استمرار حالة الضبابية الحالية في السوق.
ويقدر محمد السر وهو تاجر في سوق التمور الرئيسي في مدينة أمدرمان في العاصمة السودانية الخرطوم التراجع في أسعار التمور بين 15 إلى 25 بالمئة.
ويقول السر إن التراجع يعود في الأساس إلى شح السيولة وإحجام التجار عن التصدير بسبب الظروف الأمنية والزيادة الكبيرة في تكاليف الشحن رسوم الطرق والجبايات والخلل والصعوبات الأخرى المرتبطة بسياسات التصدير.
وفي ذات السياق، يشير التاجر في محاصيل البلح أمين محمد الياس إلى دخول أنواع كثيرة من التمور المستوردة والتي تباع بأسعار أقل من أسعار المنتج المحلي الذي ترتفع تكاليف إنتاجه بشكل كبير.
ويقول الياس إن الكثير من منتجي البلح في شمال البلاد توقفوا عن الحصاد خوفا من تحمل تكاليفه المرتفعة والتي قد لا يتم تعويضها في ظل الأسعار الحالية التي تتراوح بين 75 دولار لأجود الأنواع و13 دولارا لأقلها.
انهيار أسعار السمسم
وتأثر محصول السمسم - أحد منتجات التصدير الأساسية - بتدني أسعار المزادات في سوق المحاصيل بمدينة القضارف في شرق البلاد حيث بلغ سعر القنطار 34 ألف جنيه ما يعادل 60 دولارا.
وقال عضو لجنة المزارعين بمشروع القضارف أحمد عبد الرحيم لـموقع "سكاي نيوز عربية" إن أسعار السمسم الحالية قد تقود لخسائر مالية ضخمة مما يؤدي إلى دخول عشرات المزارعين إلى السجون بسبب التعثر في سداد القروض التي مولوا بها زراعة السمسم.
وأشار عبد الرحيم إلى أن زراعة السمسم تقلصت هذا العام من 1.2 مليون فدان إلى 650 ألف فدان اي نحو 50 في المئة بسبب توقف البنوك عن تمويل المزارعين إلى جانب التغييرات التي طالت السياسات التمويلية للبنك المركزي السوداني.
ويوضح عبد الرحيم أن البنوك عزفت أيضا عن تمويل كبار المصدرين لمحصول السمسم ما أدى إلى شح السيولة النقدية وبالتالي توقف الكثير من عمليات التصدير.
عزوف الشركات
وفي مؤشر واضح على الكساد الكبير الذي يضرب أسواق المحاصيل؛ تقلص عدد الشركات التي كانت تعمل كمشتري للسمسم في سوق القضارف من 100 شركة إلى أقل من 10 شركات في الموسم الحالي؛ بسبب المخاوف من عدم استقرار السياسات الحكومية إلى جانب مخاطر التصدير.
ويرى غالب هارون وهو مزارع ومستثمر في زراعة السمسم في مشروع القضارف أن المشكلة الحالية لا تكمن في تدني الإنتاج بل في صعوبة تسويق المنتج بسبب شح السيولة النقدية وتوقف التمويل المصرفي لكبار المصدرين.
ويقول هارون إن المزارعين قد يحجمون عن زراعة السمسم في الموسم المقبل بسبب الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها في الموسم الحالي.
وأضاف "يباع محصول السمسم في الموسم الحالي احيانا بأسعار تعادل نحو 60 بالمئة عن تكلفة الإنتاج التي ترتفع بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وتكاليف التحضيرات الزراعية؛ وهذا يعني أن المزارع سيواجه خطر دخول السجن لأنه ببساطة لن يستطع تسديد القرض الزراعي الذي حصل عليه بفوائد عالية في بداية الموسم".
من جهته، يحذر الخبير في السياسات المصرفية محمد عبد العزيز من أن عدم التغطية المصرفية لمحاصيل مهمة مثل البلح والسمسم والبطاطس قد يؤدي إلى فقدان 500 مليون دولار سنويا من عائدات الصادر السودانية".
ويقول عبد العزيز إن البنك المركزي فشل في وضع صيغ تمويلية مناسبة للمحاصيل النقدية مما يسبب مشكلات كبيرة تنجم عنها آثار ذات انعكاسات كارثية على الاقتصاد الوطني والميزان التجاري الذي تشكل صادرات السمسم والمنتجات الزراعية عنصرا مهما فيه.