أزمة الحدود الهندية الصينية.. أسباب نزاع العملاقين الآسيويين
2020-06-17 16:54:35
تتوالى التصريحات التي تدعو إلى التهدئة والتوصل إلى حل سلمي بين الهند والصين، وذلك عقب الاشتباك الذي دار بين جيشي "العملاقين الآسيويين" في منطقة حدودية يتنازع البلدان عليها، وخلّف 20 قتيلا في صفوف الجيش الهندي، في أعنف مواجهة بين الدولتين منذ 45 عاما.
وقالت الصين الأربعاء، إنها لا تريد وقوع المزيد من الاشتباكات على حدودها مع الهند، مضيفة أن البلدين يحاولان حل المسألة عن طريق الحوار.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو ليجيان، أن بكين ليست المسؤولة عن وقوع الاشتباكات، مضيفا أن الوضع بشكل عام على الحدود مستقر وتحت السيطرة.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فأعربت الثلاثاء، عن أملها في أن تتوصل الصين والهند إلى "حل سلمي" بعد الاشتباك الأخير.
وأفاد متحدث باسم الخارجية الأميركية بأن "كلا من الهند والصين أعرب عن رغبته في نزع فتيل التصعيد، ونحن ندعم حلا سلميا للوضع الراهن".
وتابع المتحدث قائلا إن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب" الأوضاع، وفي إشارة إلى حصيلة القتلى التي أعلنتها الهند، قال "نقدّم تعازينا لعائلاتهم".
من جانبه، دعا رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، القوى السياسية إلى لقاء مساء الجمعة لمناقشة الوضع في المناطق الحدودية مع الصين، كما أجرى الثلاثاء لقاءات مع وزراء الدفاع والداخلية والخارجية ورئيس أركان الجيش لمناقشة الوضع في "لاداخ" الحدودية مع الصين، حسبما ذكرت المصادر.
أصل الأزمة
دارت على مدى السنوات الماضية اشتباكات بسيطة بين القوتين الآسيويتين الكبيرتين على طول الحدود بينهما والممتدة على طول 3500 كيلومتر، وخصوصا في منطقة "لاداخ" المرتفعة في شمال الهند.
وفي 2017 وقفت القوات الهندية والصينية وجها لوجه على مدى 72 يوما في قطاع استراتيجي من منطقة بوتان في الهيمالايا، ونجحت مفاوضات بتخفيف التوتر بين الطرفين.
وتدور نزاعات جغرافية عدة بين الهند والصين في قطاعات لاداخ (غرب) وأروناشال براديش (شرق)، ووقعت حرب خاطفة بين البلدين عام 1962، هزمت فيها القوات الهندية.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أبدى في مايو استعداده للتوسط بين الهند والصين، من دون أن تعطي الإدارة الأميركية أي تفصيل حول اقتراح سيد البيت الأبيض.
وترجع أولى فصول النزاع بين البلدين إلى سنة 1947، حين استقلت الهند عن بريطانيا، وحصلت على هضبة واسعة شمال شرقي البلاد، قالت الصين إن ملكيتها تعود لها.
وكان الهجوم الصيني على القوات الهندية سنة 1962، المحطة الأبرز في هذا النزاع، حيث استولت على مرتفعات أقساي تشين التي تفصل بين البلدين.
وكانت آخر مواجهة بين البلدين في عام 2017، حين بدأت الصين في شق طريق عسكري على تلة استراتيجية قرب حدودها تعرف بهضبة "دوكلام" والتي تربط بين أراض صينية وهندية وبوتانية، إلا أن تلك الواقعة انتهت بتراجع القوات من كافة الأطراف.
وأرجع الخبير في الشؤون الدولية لي يوان تشينغ النزاع الحالي بين البلدين إلى العامل التاريخي والمتمثل في ترك الإنجليز للحدود كما هي عقب استقلال مستعمراتها، مشيرا إلى أن بكين حلّت مشكلاتها الحدودية مع جيرانها باستثناء الهند.
وبدوره قال الخبير في الشؤون الهندية وائل عواد لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الاشتباك الأخير يرجع للتأخّر في حل الخلاف الحدودي رغم إجراء مسؤولي البلدين لأكثر من 12 جلسة للتوصل لحل يرضي الطرفين حول هذا الملف.
حل سلمي أم مواجهة؟
يجمع خبراء ومراقبون على أن الاشتباك الأخير بين الهند والصين سينتهي دون وقوع أي نزاع مسلح، وذلك لخطورة ذلك على العالم ككل.
وفي هذا السياق، أكد الباحث في الشؤون الآسيوية عامر تمام، أن التصريحات المتبادلة بين البلدين توحي بالتوجه نحو التهدئة، مشددا على أن القوات المنتشرة على جانبي الحدود بين الدولتين غير مسلحة، وأن ما وقع بين الطرفين كان اشتباكا لم تستعمل فيه أسلحة.
وأضاف تمام: "لن يتحمل العالم تبعات نزاع بين دولتين نوويتين يعيش فيهما ما يقارب ثلث سكان العالم، كما أن الجهود الدبلوماسية قد جرى تفعيلها منذ اللحظات الأولى بعد الحادثة، لنزع فتيل الأزمة".
وتابع قائلا: "تركز الصين والهند في الوقت الراهن على قضايا التنمية والنمو الاقتصادي، لذا فمن المستبعد أن تندلع حرب في الوقت الحالي بين البلدين".
وذهب الخبير في الشؤون الدولية لي يوان تشينغ إلى الاعتقاد بصعوبة تصعيد الوضع في المنطقة المختلف عليها، نظرا للمصالح الاستراتيجية والعلاقات التجارية والثقافية التي تربط الدولتين.
نزع فتيل الأزمة
رغم أن عدم ترسيم الحدود بين الهند والصين يبدو "المتهم" الرئيسي في آخر اشتباك وقع بين البلدين، إلا أن خبراء يضعون فرضيات إضافية يرون فيها "محرضا" لأي نزاعات حدثت أو قد تقع مستقبلا.
وفيما يتعلق بهذه الفرضيات، قال الخبير في الشؤون الهندية وائل عواد، إن الصين غير راضية عن موقف الهند المرتبط باستقبال الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما، هذا بالإضافة إلى تخوّف بكين من تعزيز الهند لحضورها في بحر الصين الجنوبي عبر التقارب مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.
وشدد عواد على أن الحل للأزمة يكمن في العودة لمفاوضات تسدل الستار على أزمة الحدود، ويرضي الدولتين النوويتين، وهو ما أكده تشينغ قائلا أن على البلدين بداية الاعتراف بالمشكلة والسعي الحثيث لحلها، مع الإبقاء على الوضع كما هو عليه حتى ذلك الوقت.
ومع بقاء الحدود غير المرسمة نقطة خلاف، يشير الباحث في الشؤون الآسيوية عامر تمام إلى عامل آخر قد يعمّق الفجوة بين الهند والصين، ويتمثل بدعم الصين لباكستان فيما يتصل بإقليم كشمير، ودعوة الهند في المقابل الشركات الأميركية في الصين للانتقال إليها وجذبها للعمل هناك، على حد قوله.