ما وراء الحوثيين: التطرف المُزدوج الذي يهدد اليمن والمنطقة

  • 2025-12-19 03:33:10

بقلم جمال بدر العوضي

لسنوات، تعامل المجتمع الدولي مع اليمن باعتباره نزاعًا هامشيًا، مأساة إنسانية مؤسفة بدلًا من كونه تحديًا أمنيًا جوهريًا. وقد حذرت مقالة حديثة في مجلة "فورين أفيرز" بحق من أن اليمن يُمثل أحد أكثر التهديدات التي يتم تجاهلها في الشرق الأوسط، لا سيما بسبب النفوذ العسكري والإقليمي المتزايد لحركة الحوثيين. لكن التركيز على الحوثيين وحدهم يُغفل حقيقة أعمق وأخطر: اليمن عالق بين شكلين من التطرف، ولا يزال العالم يُقلل من شأن كليهما.

لا شك أن الحوثيين قد تحولوا من جماعة متمردة محلية إلى فاعل إقليمي قادر على تعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وقد ربطت هجماتهم على السفن التجارية والعسكرية الحرب اليمنية بشكل مباشر بالتجارة العالمية وأمن الطاقة والقانون البحري الدولي. إن اعتبار هذا التهديد مجرد نتاج مؤقت لحرب غزة أو قضية يمنية بحتة هو خطأ استراتيجي.

لكن الحوثيين ليسوا سوى جانب واحد من معادلة زعزعة الاستقرار في اليمن.

أما التهديد الآخر، الذي غالبًا ما يُتجاهل، فيكمن في التمكين المستمر للإسلام السياسي تحت راية الشرعية، ولا سيما من خلال حزب الإصلاح اليمني، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين. فعلى مدى أكثر من عقد، استفاد حزب الإصلاح من انهيار الدولة والحروب والغموض الدولي، متغلغلًا في مؤسسات الدولة والجيش والقطاع الأمني ​​في مناطق يُفترض أنها تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليًا.

وقد ترتب على ذلك عواقب وخيمة على جهود مكافحة الإرهاب.

وثّقت العديد من التقييمات الإقليمية والأمنية تداخل الخطوط الفاصلة بين العناصر التابعة لحزب الإصلاح والجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. فبينما يُقدّم حزب الإصلاح نفسه دوليًا كفاعل سياسي "معتدل"، إلا أنه على أرض الواقع تسامح مرارًا وتكرارًا - أو استغل تكتيكيًا - الشبكات الراديكالية عندما ناسب ذلك مصالحه السياسية والعسكرية. ويعكس هذا النمط استراتيجية جماعة الإخوان المسلمين الأوسع نطاقًا: الحفاظ على واجهة سياسية محترمة مع تمكين العنف أو استغلاله من خلال تحالفات غير رسمية.

والنتيجة هي نهج دولي معيب للغاية تجاه اليمن.

أظهرت الجهات الفاعلة الغربية والدولية استعدادًا متزايدًا لمواجهة الحوثيين كتهديد أمني، إلا أنها لا تزال تتجاهل دور الإسلام السياسي السني في إعادة إنتاج عدم الاستقرار والتطرف. هذه الرؤية الانتقائية تقوض أي حرب ذات مصداقية على الإرهاب في اليمن. لا يمكن مكافحة العنف المتطرف مع تمكين البنى الأيديولوجية التي تُطبعه أو تحميه أو تعيد تدويره تحت غطاء سياسي.

اليمن اليوم ليس مجرد ساحة معركة بين حكومة ومتمردين، بل هو ساحة ممزقة تتنافس فيها النزعة الطائفية المسلحة من جهة والتطرف الأيديولوجي من جهة أخرى على دولة منهارة. وطالما تعاملت السياسة الدولية مع شكل من أشكال التطرف على أنه مقبول - أو "أقل خطورة" - سيستمر الصراع، وسيواصل الإرهاب التكيف.

إذا كان من المُراد حقًا تحقيق الاستقرار في اليمن، فعلى المجتمع الدولي التخلي عن ازدواجية معاييره. يجب مواجهة الحوثيين كتهديد أمني إقليمي، لا التعامل معهم كسلطة محلية. في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بالإسلام السياسي، ولا سيما فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، كجزء من المشكلة، لا كشريك مؤقت باسم الشرعية.

إن عدم معالجة وجهتي نظر التطرف في اليمن لا يحافظ على الاستقرار، بل يؤجل الأزمة القادمة. وهذه الأزمة، كما أظهرت معركة البحر الأحمر، لن تبقى محصورة داخل حدود اليمن.

متعلقات