"تقرير الفورين افيرس الامريكية عن أخطر تهديد مُهمل في الشرق الأوسط ".. كيف يمكن للحوثيين- وحرب أهلية جديدة في اليمن - أن تقلب موازين القوة بعد غزة

  • 2025-12-21 09:47:48

- بقلم / إبريل لونغلي آلي

من بين التداعيات الإقليمية الأوسع لوقف إطلاق النار في غزة خلال أكتوبر، كان يُفترض أن يكون أحد أهمها دخول منطقة البحر الأحمر, وربما اليمن ,في حالة من الهدوء الجديد. وبالفعل، ونتيجة للهدنة، أوقف الحوثيون , وهم الجماعة المسلحة الثقيلة التي تسيطر على شمال اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء، والمرتبطة بحماس وإيران , هجماتهم على الملاحة التجارية في البحر الأحمر وعلى إسرائيل. 

كما بدا أن اتفاقًا سابقًا بوساطة عُمانية بين الحوثيين والحكومة الأميركية قد أسهم في خفض التهديد الحوثي المباشر للأصول الأميركية في ممر الشحن. وداخل اليمن، ظلّت هدنة هشة عمرها ثلاث سنوات ونصف قائمة بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليًا. وعلى الرغم من أن الحوثيين لم يُهزموا، بدا أن المسؤولين الأميركيين اعتقدوا أن الوضع في البلاد قد هدأ، وأن بإمكانهم تحويل انتباههم إلى ملفات أخرى.

لكن بعد أقل من شهرين، بدأ ذلك الهدوء النسبي يتلاشى ، ففي أوائل ديسمبر، أطلق انفصاليون جنوبيون حملة كبرى للسيطرة على أجزاء واسعة من حضرموت المنطقة المنتِجة للنفط والمحاذية للسعودية ومحافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان. ويُعدّ هذا الهجوم، الذي قاده المجلس الانتقالي الجنوبي وهو كيان جزء من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لكنه يدعو إلى استقلال جنوب اليمن تحولًا زلزاليًا في ميزان القوى داخل البلاد. فمن جهة، يحظى المجلس الانتقالي بدعم دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أثار توسعه الجريء توترات جديدة مع المملكة العربية السعودية، التي تدعم فصائل منافسة داخل الحكومة وترى في هذا الاستحواذ تهديدًا محتملًا لأمنها القومي. والأكثر إثارة للقلق أن هجوم المجلس الانتقالي مرجّح أن يوفّر ذريعة لتحركات أوسع من جانب الحوثيين.

وبينما كانت حملة المجلس الانتقالي تتكشف، تعهّد الحوثيون بتوسيع سيطرتهم على مناطق إنتاج النفط والغاز في شرق البلاد. 

وبمساعدة إيران ودول أخرى، عمل الحوثيون بلا كلل على توسيع ترسانتهم من الأسلحة التقليدية المتطورة؛ كما صعّدوا الإنتاج المحلي للأسلحة، وبات لديهم القدرة على تجميع صواريخ باليستية وتصنيع طائرات مسيّرة قصيرة المدى بشكل مستقل. وإضافة إلى ذلك، لا تزال أفعال الجماعة وخطابها تؤكد سعيها للسيطرة على كامل اليمن، ومواصلة مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية والإمارات. 

وإذا ما تعثرت هدنة غزة، فإن الحوثيين مستعدون لاستئناف هجماتهم في البحر الأحمر، وبعد أن لمسوا مدى فاعلية تلك الحملة، قد يعيدون إطلاقها مستقبلًا لأسباب أخرى.

تجاهل الولايات المتحدة لليمن ينطوي على مخاطر جسيمة. فحتى الآن، اكتفت إدارة ترامب بفرض عقوبات على الحوثيين، وحماية الهدنة الثنائية الأميركية مع الجماعة، والأمل في أن تتولى إسرائيل وشركاء واشنطن في الخليج معالجة بقية القضايا بأنفسهم. كما تراجعت الإدارة إلى حد كبير عن دعم الحكومة اليمنية وعن لعب دور دبلوماسي قيادي لإنهاء الحرب الأهلية.

لكن من دون استراتيجية أميركية أوسع، قد تأتي الضغوط المالية على الحوثيين بنتائج عكسية. فقبل تحرك المجلس الانتقالي في ديسمبر، لمح قادة الحوثيين إلى احتمال السعي للاستيلاء على مزيد من الأراضي أو ابتزاز تنازلات مالية من السعودية للحصول على موارد إضافية. أما الآن، فقد جعل الاضطراب في الجنوب البلاد أكثر قابلية للاشتعال، مهددًا بإعادة إشعال صراع طالما صبّ في مصلحة الحوثيين. وأي عودة إلى حرب شاملة سيكون لها ارتدادات في عموم الخليج ومنطقة البحر الأحمر.

محور التحدي

مع انقشاع غبار حرب إسرائيل في غزة، يبرز الحوثيون كاستثناء لافت. فمع تراجع حماس، وتعرّض حزب الله في لبنان لضربات قاصمة، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتجنّب الميليشيات الشيعية في العراق الصدام مع إسرائيل، باتت بقية أطراف «محور المقاومة» الذي تقوده إيران ضعيفة بشدة. وعلى النقيض، خرج الحوثيون أكثر جرأة بفعل حرب غزة، التي مكّنت قادتهم من تشديد اللبّ الأيديولوجي للجماعة، وتهميش البراغماتيين، وتعزيز قناعة أنصارهم بأنهم في مهمة دينية لتحرير فلسطين وقلب نظام إقليمي تهيمن عليه الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقد جنى الحوثيون مكاسب ملموسة من هذا التحدي. فببقائهم في حالة تعبئة حرب، تجنّبوا المساءلة عن تفاقم الفقر وفشلهم في دفع رواتب القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. كما استغلوا الصراع لقمع من يعدّونهم أعداء، وتضييق هامش المعارضة، وتعزيز قبضتهم على السلطة. وفي الوقت نفسه، عزّز الصدام البارز مع إسرائيل التجنيد العسكري ،بما في ذلك تجنيد الأطفال،وسهّل تدريب جيل جديد وتلقينه. وبحلول عام 2024، قُدّر عدد مقاتلي الحوثيين بنحو 350 ألفًا.

وتفاقم التهديد الحوثي مع تنامي قدراتهم العسكرية. ففي المراحل الأولى من حرب غزة، كانت صواريخ الحوثيين عاجزة في الغالب عن بلوغ الأراضي الإسرائيلية؛ لكن بحلول مايو 2025 أصبحت قادرة على إصابة مطار بن غوريون قرب تل أبيب. وفي سبتمبر 2025، نجحت طائرات مسيّرة حوثية في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، ما أدى إلى إصابة أكثر من 20 شخصًا في إيلات، وضرب مطار رامون القريب. كما أصابت صواريخ حوثية مدينة ينبع، وهي ميناء نفطي سعودي رئيسي يبعد نحو 620 ميلًا عن الحدود اليمنية. وفي الوقت ذاته، أتاح صراع غزة للحوثيين خبرة عملياتية قيّمة حسّنت دقة الاستهداف واختبار أسلحة جديدة، بما في ذلك صواريخ باليستية مزوّدة بذخائر عنقودية.
ولتوسيع ترسانتهم، نوّعت الجماعة سلاسل إمدادها وأقامت علاقات مع خصوم متعدّدين للولايات المتحدة، من بينهم الصين وروسيا إلى جانب إيران. 

فمنذ سنوات، زوّدت طهران الحوثيين بأسلحة تقليدية وتدريب، وعمّقت دعمها مع ضعف بقية محورها الإقليمي. 

لكن الحوثيين باتوا أيضًا يستوردون مكوّنات مزدوجة الاستخدام ومواد عسكرية من الصين لاستخدامها في التصنيع المحلي. وفي سبتمبر، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 32 فردًا وكيانًا مرتبطًا بالحوثيين ،بمن فيهم عدة جهات مقرها الصين ،بسبب جمع أموال غير مشروع والتهريب وشراء الأسلحة.

ومن جهتها، شاركت روسيا، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال بيانات استهداف عبر الحرس الثوري الإيراني لمساعدة الحوثيين على ضرب سفن غربية، كما سلّمت نفطًا للحوثيين عبر ميناء الحديدة. وفي الصومال، قدّم الحوثيون أسلحة وتدريبًا لجماعة «الشباب» الجهادية السنية مقابل أموال واحتمال شراكة لتعطيل الملاحة في خليج عدن. وأصبحت الصومال أيضًا مركز عبور مهمًا لتهريب الأسلحة إلى مناطق الحوثيين.

وأوضح زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، أن طموحات الجماعة لا تتوقف عند حدود اليمن. فتوحد العالم الإسلامي ضد النفوذ الغربي وإسرائيل جزء من عقيدة الجماعة منذ نشأتها مطلع الألفية ،وقد تضخّم هذا الهدف بفعل حرب غزة. وقال الحوثي إن جولات قتال إضافية مع إسرائيل «حتمية»، واصفًا السعودية والإمارات بأنهما «أدوات» في مشروع إقليمي أميركي–إسرائيلي وخائنَتين للقضية الفلسطينية. ويزعم اليوم أن حركته تدرب أكثر من مليون «مجاهد»، وأن اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين يقود العالم العربي في الإنتاج والتصنيع العسكري. ورغم زيف هذه الادعاءات بوضوح، فإنها تخدم ترسيخ صورة الحوثيين لأنفسهم بوصفهم قوة «المقاومة» العربية الأولى.

ضغط بلا سياسة

مع ارتفاع حضورهم، تلقّى الحوثيون ضربات. فقد دمّرت عملية «راكب الخشن» (Operation Rough Rider) ، وهي حملة قصف مكثفة استمرت 52 يومًا أطلقتها إدارة ترامب في مارس ،العديد من مستودعات الأسلحة ومرافق التصنيع الحوثية، رغم أن حجم الأضرار الكامل لا يزال غير واضح. كما أن إعادة تصنيف الجماعة هذا العام منظمةً إرهابية أجنبية فرضت ضغوطًا اقتصادية على مناطق سيطرتها بقطع الوصول إلى النظام المصرفي الدولي.

ومنذ صيف 2024، ألحقت الغارات الإسرائيلية أضرارًا كبيرة بالمناطق الخاضعة للحوثيين، فأغلقت المطار الدولي الوحيد في الشمال، ودمّرت أجزاء كبيرة من ميناء الحديدة، وألحقت خرابًا بالبنية الكهربائية. كما استهدفت إسرائيل قيادة الحوثيين بنجاح نسبي؛ ففي أغسطس قُتل رئيس الوزراء وأعضاء آخرون من حكومة صنعاء الخاضعة للحوثيين ،ولم يكن أي منهم من المنظّرين الأيديولوجيين الأساسيين. وفي أكتوبر، أكد الحوثيون اغتيال رئيس أركانهم، وهو مخطط عسكري رئيسي. ورغم أن هذه الضربات لم تصل إلا محدودًا إلى قمة القيادة، فإنها دفعت القادة للاختباء، وأبطأت الاتصالات، وأشاعت شائعات عن خسائر أخرى.

غير أن مقاربة واشنطن لليمن مليئة بالتناقضات. فالهدنة الثنائية مع الحوثيين في مايو وفّرت مخرجًا سريعًا من عملية «راكب الخشن» التي تجاوزت كلفتها مليار دولار واستنزفت أصولًا عسكرية مطلوبة في مسارح أخرى. لكنها لم تمنع الحوثيين من مواصلة الهجمات على أهداف غير أميركية في البحر الأحمر، ولا من إطلاق مزيد من الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل. كما لم توفّر استراتيجية طويلة الأمد لحماية المصالح الأميركية في البحر الأحمر أو الخليج.

وعلى العكس، أتاحت الهدنة، من خلال تمكين واشنطن من الانسحاب سياسيًا وعسكريًا ، للحوثيين تصعيد معاركهم ضد خصومهم الداخليين والإقليميين بكلفة أقل. وفاقم المشكلة تعليقُ الإدارة معظمَ المساعدات الإنسانية لليمن، بما في ذلك مناطق الحكومة التي تقول الولايات المتحدة إنها تدعمها. وفي بلد يحتاج فيه 24 مليون شخص ،أي غالبية السكان ، إلى مساعدات إنسانية، وأكثر من 14 مليونًا إلى مساعدات عاجلة، يُعدّ ذلك ضربة هائلة.

وفي الوقت نفسه، أدّت تشديد العقوبات وإغلاق المسارات الدبلوماسية أمام الحوثيين إلى سدّ أي أفق لاتفاق سلام تفاوضي في الوقت الراهن. ولم تعد للولايات المتحدة مبعوثة مخصّصة لليمن، في مؤشر على تراجع أولوية الملف. كما لا تدعم الإدارة العودة إلى صيغة ما قبل حرب غزة، التي كانت تقضي بوقف إطلاق النار والانخراط السياسي مقابل مزايا مالية بينها دفع رواتب القطاع العام. ومع ذلك، قلّة في واشنطن تعمل على مسار بديل.

تدافع قوى جديد

مع الاضطراب الجديد في الجنوب، قد تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون أزمة أوسع. ومن المحتمل أن تعمل الإمارات والسعودية على احتواء الصدمات الناتجة عن سيطرة المجلس الانتقالي على حضرموت عبر اتفاق مشترك لاحتواء التوترات داخل الحكومة اليمنية. وقد يفضي ذلك إلى جبهة أكثر توحّدًا ضد الحوثيين، بما يسمح بإحياء مسار تسوية سياسية أو الدفع لاستعادة أراضٍ في الشمال قبل أي محادثات محتملة.

وقد أعلن رئيس المجلس الانتقالي، عيدروس الزبيدي، أن «الهدف التالي يجب أن يكون صنعاء، سلميًا أو بالحرب». وأي ترتيب يتيح لقوات المجلس دعم المقاتلين على ساحل البحر الأحمر وفي مأرب لاستعادة الشمال سيكون بالغ الصعوبة، وسيتطلب على الأرجح ضمانات لحكم ذاتي جنوبي وربما استفتاءً مستقبلًا. لكن لا شيء من ذلك ممكن قبل حل مأزق حضرموت بما يراعي مخاوف السعودية الأمنية.

وقد يكون الوقت ضيقًا. فهناك أيضًا احتمال حقيقي لاندلاع قتال بين فصائل الحكومة، ما قد يمكّن الحوثيين من تحقيق مكاسب إضافية. وإذا أعلن المجلس الانتقالي الاستقلال ،وهو أمر يتجنبه حاليًا لقلّة فرص الاعتراف الدولي ،فقد يدفع ذلك إلى إعادة اصطفاف قوى الشمال ضده.


وفي غياب انخراط أميركي، ستواصل السعودية والإمارات دعم جماعات متنافسة. وحتى إن لم تُشعل حملة المجلس الانتقالي حربًا أوسع، سيحتاج الحوثيون قريبًا إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية عليهم، وهو ما قد يعني الاستيلاء على موارد إضافية داخل اليمن—كالسعي للسيطرة على مأرب الغنية بالنفط أو إرغام السعودية على تقديم تنازلات مالية جديدة. 

وقد هدّد الحوثيون الرياض علنًا، مطالبين بإنهاء الحرب نهائيًا، ورفع القيود عن الموانئ والمطارات، ودفع تعويضات عن أضرار الغارات بين 2015 و2022. وتؤكد رسائلهم—بما في ذلك إعادة نشر مقاطع لهجماتهم السابقة داخل السعودية وضرب منشآت أرامكو—استعدادهم لاستخدام القوة.

وبالنظر إلى تركيز الرياض على أولوياتها الداخلية وتزايد الشكوك بشأن المظلّة الأمنية الأميركية، قد ترضخ السعودية لهذا الضغط. 

ومع أن أي توسّع حوثي سيواجه مقاومة يمنية داخلية، قد تتردد الرياض في دعم هذه القوى خوفًا من هجمات متجددة. وبدلًا من ذلك، ومع إضعاف موقف الحكومة بتحركات المجلس في الجنوب، قد يسعى الحوثيون لتحقيق مكاسب عبر استمالة قيادات قبلية موالية للحكومة حول مأرب. 

وستمنح أي من هذه المسارات الحوثيين موارد أكبر للتسلّح لجولات قادمة مع الولايات المتحدة وشركائها، فضلًا عن تقليص فرص تسوية سياسية جامعة.

وقد تعهّد قادة إسرائيل بمعاقبة قيادة الحوثيين على هجماتهم الجريئة، وأنشأت الحكومة وحدة استخبارية جديدة معنية باليمن. وإذا انهارت هدنة غزة، ستُستأنف الاشتباكات بين الحوثيين وإسرائيل، ما قد يشتّت الحوثيين عن جبهات أخرى ويوفر فرصًا عسكرية لخصومهم اليمنيين. 

لكن لا يمكن لواشنطن الاتكال على إسرائيل وحدها لمعالجة التحدي الحوثي.

فالـحوثيون بعيدون جغرافيًا عن إسرائيل ومتحصّنون في تضاريس جبلية شبيهة بأفغانستان. وكما أظهرت الحملات السعودية والأميركية، لا يمكن هزيمتهم بالقصف الجوي وحده. وإضافة إلى ذلك، تحظى إسرائيل بشعبية متدنية في مناطق الحوثيين، وقد تؤدي ضربات إضافية—خصوصًا ضد البنية المدنية—إلى تعبئة اليمنيين ضد «عدو خارجي» مكروه. وحتى لو نجحت إسرائيل في اغتيالات رفيعة أخرى، فقد يفضي ذلك إلى قيادة حوثية أشد تصلّبًا في صنعاء أو إلى صراع داخلي على السلطة يزعزع المنطقة بطرق جديدة.

من القاعدة إلى القمّة

إن رغبة واشنطن في تجنّب التورط في حرب مكلفة باليمن مفهومة. فقد ألحقت قرابة شهرين من القصف الأميركي المكثف في الربيع الماضي أذى بالحوثيين دون تغيير سلوكهم أو قبضتهم على السلطة. 

وتُبرز حملة المجلس الانتقالي شقوقًا متزايدة داخل التحالف الداعم للحكومة اليمنية المعترف بها، وتعقيد السياسة الداخلية وتقلبها. لكن نظرًا لموقع اليمن الاستراتيجي على ممر البحر الأحمر وقربه من حلفاء واشنطن في الخليج، لا تستطيع إدارة ترامب تحمّل فراغ في السياسة.

ولمنع انفجار أوسع، يتعيّن على الولايات المتحدة إعادة تكريس اهتمام جاد باليمن. وعلى وجه السرعة، يجب الضغط على السعودية والإمارات لخفض التصعيد في الجنوب والتوصل إلى مقاربة مشتركة، كشرطٍ مسبق لمعالجة الحوثيين بفعالية. 

وبالتوازي، ينبغي مساعدة القوات اليمنية الموالية للحكومة على تثبيت خطوط تماس حاسمة—في مأرب وعلى ساحل البحر الأحمر—لدفع الحوثيين إلى تقديم تنازلات. ويمكن لتعزيز الضمانات الأمنية الأميركية للسعودية والإمارات أن يلعب دورًا مهمًا، عبر طمأنة البلدين بأن الولايات المتحدة ستساندهما دفاعيًا إذا تعرضا لهجمات حوثية.

كما يجب إحياء مسار دبلوماسي مخصص. فاليمن في حرب منذ أكثر من عشر سنوات، والكلفة الهائلة على السكان ستخلّف آثارًا عبر أجيال. ولا يمكن حل تحديات الحوثيين ،ولا التحديات الداخلية الأوسع ،بالضغط الاقتصادي أو القصف الخارجي وحده. فالإكراه ضروري ولا سيما الضغط السياسي والعسكري على الأرض من اليمنيين ،لكن فتح مسارات الخروج والدبلوماسية لا يقل أهمية. 

ولهذا، ينبغي للولايات المتحدة التنسيق مع جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين اليمنيين، والسعودية، والإمارات، وعُمان، والأمم المتحدة، وغيرهم لرسم تسوية معدّلة.

وتحتاج إدارة ترامب إلى إدراك أن النظام الأمني الإقليمي ما بعد غزة الذي تسعى لبنائه لن ينجح إذا انزلق اليمن إلى الفوضى. وفي غياب الانخراط الأميركي، ستواصل السعودية والإمارات دعم مجموعات متنافسة داخل الحكومة، ما يعمّق التوترات بين حليفين رئيسيين لواشنطن (كما يحدث في السودان)، ويوسّع الانقسامات بين اليمنيين، ويخلق فرصًا للحوثيين وجماعات عنيفة أخرى مثل القاعدة لاستغلال الوضع. وقد يفضي ذلك إلى تجدّد أعمال حوثية عبر المنطقة.

إن استعادة الهدوء في اليمن لن تكون سهلة، وستتطلب ضمانات أمنية للبحر الأحمر ولجيران الخليج، ومعالجة مطالب المجلس الانتقالي بالاستقلال الجنوبي. وفي النهاية، سيستلزم الأمر إدماج الحوثيين في عملية سياسية وإعادة تركيزهم داخليًا عبر منحهم مصلحة في مستقبل أفضل. قد تتعثر الصفقة أمام تضارب المصالح، لكن التقاعس سيكون أسوأ بكثير، إذ يكاد يضمن استمرار تسرب أزمات اليمن إلى أحد أهم ممرات الشحن في العالم وإلى الشرق الأوسط الأوسع. لا تحتاج واشنطن إلى قيادة الملف في اليمن، لكن المخاطر كبيرة إلى حدّ لا يسمح بعدم الحضور.

المصدر: Foreign Affairs / وهي مجلة أمريكية رائدة تُعنى بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية (CFR). تُعد منصة أساسية لصنّاع القرار في الولايات المتحدة، إذ تنشر تحليلات معمّقة يكتبها رؤساء دول، ووزراء، ودبلوماسيون، وخبراء استراتيجيون، وتُسهم بشكل مباشر في بلورة النقاشات وصياغة التوجهات العامة للسياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي

 

 

*إبريل لونغلي آلي : زميلة أولى في معهد واشنطن، وشغلت منصب المستشارة السياسية الأولى للمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن بين عامي 2020 و2024.

متعلقات