اليمن والعدالة الغائبة : قصة الطفل مهند السعيدي بين الفقر والدفاع عن الشرف
- 2025-10-22 05:48:20

بقلم / محمد العواضي
في مشهدٍ يلخّص حجم المأساة التي يعيشها كثير من الأطفال في اليمن، تتصدر قضية الطفل مهند عادل أحمد مهدي السعيدي الرأي العام بوصفها واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إيلامًا وإثارة للجدل، بعد أن صدر بحقه حكم بالإعدام إثر اتهامه بقتل صاحب بوفية في العاصمة صنعاء — في حين يؤكد كثيرون أن الفعل لم يكن سوى دفاعٍ مشروع عن النفس والشرف.
من قرية فقيرة إلى شوارع العاصمة
ينحدر الطفل مهند من محافظة ريمة – مديرية الجعفرية – عزلة بني سعيد، وهي منطقة ريفية فقيرة يعيش معظم سكانها على الزراعة البسيطة وأعمال المياومة. دفعت ظروف الفقر القاسية مهند، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره بحسب مقربين، إلى مغادرة قريته نحو صنعاء بحثًا عن عمل يعيل به أسرته البسيطة.
وبحسب روايات محلية، وجد الطفل عملاً في إحدى البوفيات بالعاصمة، حيث كان يعمل لساعات طويلة مقابل أجرٍ زهيد. لكن رحلته من أجل لقمة العيش تحولت إلى مأساة، حين حاول صاحب العمل الاعتداء عليه جنسيًا.
الدفاع عن النفس… وتحول الضحية إلى متهم
تؤكد مصادر مقربة من عائلة مهند أن الطفل قاوم المعتدي بشجاعة، وحاول الهروب، إلا أن الجاني كان أقوى جسديًا منه وتمكن من السيطرة عليه. في لحظة دفاع غريزي عن النفس والكرامة، تناول مهند سكينًا صغيرة كانت في متناول يده، فوجه طعنة قاتلة لصاحب البوفية، ما أدى إلى مقتله على الفور.
ما حدث بعد ذلك قلب الموازين؛ إذ تحول مهند من ضحية لمحاولة اغتصاب إلى متهم بالقتل العمد، لتبدأ فصول معاناة جديدة في أروقة المحاكم.
حكم الإعدام… وصمت العدالة
تفيد الأنباء الواردة أن المحكمة الابتدائية أصدرت حكمًا بالإعدام بحق الطفل، دون أن تؤخذ في الاعتبار ظروفه الإنسانية وعمره القاصر أو طبيعة الجريمة الدفاعية.
هذا الحكم أثار غضبًا واسعًا في الشارع اليمني، واعتبره ناشطون ومنظمات حقوقية خرقًا فاضحًا لمبادئ العدالة وحقوق الطفل، مؤكدين أن مهند لم يكن سوى ضحية بيئة قاسية وعدالة فاسدة.
القانون الدولي والعدالة الغائبة
وفقًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، التي تعدّ اليمن طرفًا فيها، يُمنع تمامًا تنفيذ أحكام الإعدام بحق من هم دون الثامنة عشرة من العمر وقت ارتكاب الجريمة.
كما أن قانون الجرائم والعقوبات اليمني نفسه يتيح التمييز بين القتل العمد والدفاع عن النفس، وهو ما يُفترض أن يُسقط عن الطفل عقوبة الإعدام نهائيًا.
لكن في ظل ما يصفه ناشطون بـ الفساد القضائي والابتزاز المالي داخل المحاكم، تغيب العدالة عن الضعفاء، وتُثقل كفة الظلم على حساب الفقراء والمقهورين.
دعوات لإعادة النظر
يطالب ناشطون وحقوقيون بـ إعادة فتح ملف القضية ومراجعة الحكم القضائي، مؤكدين أن مهند يستحق محاكمة عادلة تراعي عمره وملابسات الحادثة. كما دعت منظمات حقوقية دولية إلى وقف تنفيذ الحكم فورًا، والتحقيق في ادعاءات محاولة الاغتصاب التي كانت السبب الحقيقي وراء الحادثة
قصة مهند السعيدي ليست حادثة فردية، بل هي مرآة لواقع مؤلم يعيشه آلاف الأطفال اليمنيين الذين يُجبرهم الفقر على ترك التعليم والعمل في ظروف قاسية، دون حماية قانونية أو اجتماعية.
العدالة الحقيقية لا تتحقق بإعدام طفلٍ دافع عن شرفه، بل بمحاسبة من تسبب في معاناته، وبناء نظام قضائي عادل يحمي الضعفاء قبل الأقوياء.